للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ لِكَوْنِهِ ضَرَرًا ظَاهِرًا، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُهُ الْوَلِيُّ عَلَيْهِ، وَالْعَقْلِ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلتَّصَرُّفِ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ الْبَالِغُ: أَعْتَقْت وَأَنَا صَبِيٌّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَكَذَا إذَا قَالَ الْمُعْتِقُ أَعْتَقْت وَأَنَا مَجْنُونٌ وَجُنُونُهُ كَانَ ظَاهِرًا

هَذَا الْمَعْنَى مِنْ أَفْرَادِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الصِّحَاحِ: الْعِتْقُ الْحُرِّيَّةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقُوَّةَ الْمُفَسَّرَ هُوَ بِهَا لُغَةً أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهَا فِي الْبَدَنِ أَوْ مَا يَرْجِعُ إلَى مَعْنًى آخَرَ، وَلِذَا أَطْلَقُوهُ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي عَدَدْنَاهَا بِاعْتِبَارِ قُوَّةٍ تَرْجِعُ إلَى مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ، إلَّا أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِالْحُرِّيَّةِ الطَّارِئَةِ عَلَى الرِّقِّ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُغْرِبِ حَيْثُ قَالَ: الْعِتْقُ الْخُرُوجُ عَنْ الْمَمْلُوكِيَّةِ، فَالْإِعْتَاقُ شَرْعًا إثْبَاتُ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَهُوَ وَالتَّحْرِيرُ إثْبَاتُ الْحُرِّيَّةِ وَهِيَ الْخُلُوصُ، يُقَال طِينٌ حَرٌّ لِلْخَالِصِ عَمَّا يَشُوبُهُ، وَمِنْهُ يُقَالُ أَرْضٌ حَرَّةٌ لَا خَرَاجَ عَلَيْهَا، وَالْكُلُّ يَرْجِعُ إلَى مَعْنَى الْقُوَّةِ.

وَالرِّقُّ فِي اللُّغَةِ الضَّعْفُ، وَمِنْهُ ثَوْبٌ رَقِيقٌ وَصَوْتٌ رَقِيقٌ، وَقَدْ يُقَالُ الْعِتْقُ بِمَعْنَى الْإِعْتَاقِ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْفِقْهِيِّ تَجَوُّزٌ بِاسْمِ الْمُسَبَّبِ عَنْ السَّبَبِ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ: أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ عِتْقِ مَوْلَاك إيَّاكَ.

وَسَبَبُهُ الْبَاعِثُ فِي الْوَاجِبِ تَفْرِيغُ ذِمَّتِهِ وَفِي غَيْرِهِ قَصْدُ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى

وَأَمَّا سَبَبُهُ الْمُثْبِتُ لَهُ فَقَدْ يَكُونُ دَعْوَى النَّسَبِ، وَقَدْ يَكُونُ نَفْسَ الْمِلْكِ فِي الْقَرِيبِ، وَقَدْ يَكُونُ الْإِقْرَارَ بِحُرِّيَّةِ عَبْدِ إنْسَانٍ حَتَّى لَوْ مَلَكَهُ عَتَقَ، وَقَدْ يَكُونُ بِالدُّخُولِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَإِنَّ الْحَرْبِيَّ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا فَدَخَلَ بِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ عَتَقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا زَوَالُ يَدِهِ عَنْهُ بِأَنْ هَرَبَ مِنْ مَوْلَاهُ الْحَرْبِيِّ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ يَكُونُ اللَّفْظُ الْمَذْكُورُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ، وَهُوَ نَفْسُهُ رُكْنُ الْإِعْتَاقِ اللَّفْظِيِّ الْإِنْشَائِيِّ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ الْعِتْقُ حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا وَحُكْمُهُ زَوَالُ الرِّقِّ عَنْهُ وَالْمِلْكُ وَصِفَتُهُ فِي الِاخْتِيَارِيِّ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ غَالِبًا وَلَا يَلْزَمُ فِي تَحَقُّقِهِ شَرْعًا وُقُوعُهُ عِبَادَةً فَإِنَّهُ يُوجَدُ بِلَا اخْتِيَارٍ وَمِنْ الْكَافِرِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ مَعْصِيَةً كَالْعِتْقِ لِلشَّيْطَانِ وَالصَّنَمِ وَكَذَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ يَذْهَبُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ أَوْ يَرْتَدُّ أَوْ يُخَافُ مِنْهُ السَّرِقَةُ وَقَطْعُ الطَّرِيقِ، وَيَنْفُذُ عِتْقُهُ مَعَ تَحْرِيمِهِ خِلَافًا لِلظَّاهِرِيَّةِ، وَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا كَالْكَفَّارَةِ، وَقَدْ يَكُونُ مُبَاحًا كَالْعِتْقِ لِزَيْدٍ.

وَالْقُرْبَةُ مَا يَكُونُ خَالِصًا لِلَّهِ ﷿. فَتَحْصُلُ أَنَّ الْعِتْقَ يُوصَفُ بِالْأَحْكَامِ مِنْ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ وَالتَّحْرِيمِ. هَذَا وَفِي عِتْقِ الْعَبْدِ الذِّمِّيِّ مَا لَمْ يَخَفْ مَا ذَكَرْنَا أَجْرٌ لِتَمْكِينِهِ مِنْ النَّظَرِ فِي الْآيَاتِ وَالِاشْتِغَالِ بِمَا يُزِيلُ الشُّبْهَةَ عَنْهُ، وَأَمَّا مَا عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إذَا كَانَ أَغْلَى ثَمَنًا مِنْ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ يَكُونُ عِتْقُهُ أَفْضَلَ مِنْ عِتْقِ الْمُسْلِمِ لِقَوْلِهِ «أَفْضَلُهَا أَغْلَاهَا» بِالْمُهْمَلَةِ وَالْمُعْجَمَةِ فَبَعِيدٌ عَنْ الصَّوَابِ.

وَيَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِالْأَعْلَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ تَمْكِينُ الْمُسْلِمِ مِنْ مَقَاصِدِهِ وَتَفْرِيغِهِ. وَأَمَّا مَا يُقَالُ فِي عِتْقِ الْكَافِرِ مَا ذَكَرْنَا فَهُوَ احْتِمَالٌ يُقَابِلُهُ ظَاهِرٌ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ رُسُوخُ الِاعْتِقَادَاتِ وَإِلْفُهَا فَلَا يَرْجِعُ عَنْهَا، وَلِذَا نُشَاهِدُ الْأَحْرَارَ بِالْأَصَالَةِ مِنْهُمْ لَا يَزْدَادُونَ إلَّا ارْتِبَاطًا بِعَقَائِدِهِمْ فَضْلًا عَمَّنْ عَرَضَتْ حُرِّيَّتُهُ، نَعَمْ الْوَجْهُ الظَّاهِرُ فِي اسْتِحْبَابِ عِتْقِهِ تَحْصِيلُ الْجِزْيَةِ مِنْهُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا تَفْرِيغُهُ لِلتَّأَمُّلِ فَيُسَلَّمُ فَهُوَ احْتِمَالٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(قَوْلُهُ وَلَا مِلْكَ لِلْمَمْلُوكِ) عَنْ هَذَا قُلْنَا إنَّ مَالَ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، وَعِنْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>