لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ (وَلَا يَدِينُ قَضَاءً) لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ (وَلَوْ قَالَ لَهُ يَا حُرُّ يَا عَتِيقُ يُعْتَقُ) لِأَنَّهُ نِدَاءٌ بِمَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الْعِتْقِ وَهُوَ لِاسْتِحْضَارِ الْمُنَادَى بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ هَذَا هُوَ حَقِيقَتُهُ فَيَقْتَضِي تَحَقُّقَ الْوَصْفِ فِيهِ وَأَنَّهُ يَثْبُتُ مِنْ جِهَتِهِ فَيَقْضِي بِثُبُوتِهِ تَصْدِيقًا لَهُ فِيمَا أَخْبَرَ، وَسَنُقَرِّرُهُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إلَّا إذَا سَمَّاهُ حُرًّا ثُمَّ نَادَاهُ يَا حُرُّ لِأَنَّ مُرَادَهُ الْإِعْلَامُ بِاسْمٍ عَلِمَهُ وَهُوَ مَا لَقَّبَهُ بِهِ. وَلَوْ نَادَاهُ بِالْفَارِسِيَّةِ يَا آزَادَ وَقَدْ لَقَّبَهُ بِالْحُرِّ قَالُوا يُعْتَقُ، وَكَذَا عَكْسُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنِدَاءٍ بِاسْمٍ عَلِمَهُ فَيُعْتَبَرُ إخْبَارًا عَنْ الْوَصْفِ.
(وَكَذَا لَوْ قَالَ رَأْسُكَ حُرٌّ أَوْ وَجْهُكَ أَوْ رَقَبَتُكَ أَوْ بَدَنُكَ أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ فَرْجُك حُرٌّ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَقَدْ مَرَّ فِي الطَّلَاقِ، وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى جُزْءٍ شَائِعٍ
يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِهِ، وَإِذَا أَوْجَبَهُ لِلْعَبْدِ يَكُونُ مُزِيلًا بِطَرِيقِ الْإِسْقَاطِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولِهِ وَلَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ، أَمَّا إذَا قَالَ بِعْتُك نَفْسَك بِكَذَا فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ.
(قَوْلُهُ وَلَا يَدِينُ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ) بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ عَنَيْت أَنَّهُ كَانَ حُرًّا فِي وَقْتٍ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْعَبْدُ مِنْ السَّبْيِ دِينَ، وَإِنْ كَانَ مُوَلَّدًا لَا يَدِينُ كَذَا فِي الْغَايَةِ.
[فُرُوعٌ]
فِي الْبَدَائِعِ: دَعَا عَبْدَهُ سَالِمًا فَأَجَابَهُ آخَرُ فَقَالَ أَنْتَ حُرٌّ وَلَا نِيَّةَ لَهُ عَتَقَ الْمُجِيبُ. وَلَوْ قَالَ عَنِيت سَالِمًا عَتَقَا فِي الْقَضَاءِ وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إنَّمَا يُعْتَقُ الَّذِي عَنَاهُ، وَلَوْ قَالَ يَا سَالِمُ أَنْتَ حُرٌّ فَإِذَا هُوَ عَبْدٌ آخَرُ عَتَقَ سَالِمٌ لِأَنَّهُ لَا مُخَاطَبَ هُنَا إلَّا سَالِمٌ، وَفِيهِ قَالَ لِعَبْدٍ أَنْتَ حُرٌّ أَوْ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ نَوَى الْعِتْقَ وَالطَّلَاقَ وَقَعَ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ مَا يُفْهَمُ عِنْدَ التَّرْكِيبِ، إلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ صَرِيحَةً لِأَنَّهَا عِنْدَ الِانْفِرَادِ لَمْ تُوضَعْ لِلْمَعْنَى فَصَارَتْ كَالْكِنَايَةِ فَتَقِفُ عَلَى النِّيَّةِ، وَلَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ الْيَوْمَ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ عَتَقَ قَضَاءً لِأَنَّهُ إذَا صَارَ حُرًّا فِي شَيْءٍ صَارَ حُرًّا فِي كُلِّ الْأَشْيَاءِ.
(قَوْلُهُ وَهُوَ لِاسْتِحْضَارِ الْمُنَادَى بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ) هَذَا هُوَ حَقِيقَتُهُ تَكَلَّمَ فِي النِّدَاءِ فِي مَوَاضِعَ أَوَّلُهَا هَذَا وَتَمَامُ عِبَارَتِهِ فِيهِ فَيَقْتَضِي تَحْقِيقَ الْوَصْفِ فِيهِ وَأَنَّهُ ثَبَتَ مِنْ جِهَتِهِ فَيَقْضِي بِثُبُوتِهِ تَصْدِيقًا لَهُ وَسَنُقَرِّرُهُ مِنْ بَعْدُ: أَيْ فِي مَسْأَلَةِ يَا ابْنِي.
ثَانِيهَا فِيمَا إذَا لَقِيَهُ حُرًّا ثُمَّ نَادَاهُ يَا آزَادَ أَوْ آزَادَ وَنَادَاهُ يَا حُرُّ أَنَّهُ يُعْتَقُ فَقَالَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنِدَاءٍ بِاسْمٍ عَلِمَهُ فَيُعْتَبَرُ إخْبَارًا عَنْ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ، وَهَذَانِ مَعًا يُفِيدَانِ أَنَّ عِتْقَهُ بِاعْتِبَارِ إخْبَارِهِ عَنْ ثُبُوتِ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ الْحُرِّيَّةُ فِيهِ فَيَثْبُتُ تَصْدِيقًا لَهُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا إخْبَارَ فِي النِّدَاءِ إلَّا ضِمْنًا، فَإِنَّ قَوْلَهُ يَا حُرُّ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى يَا مَنْ اتَّصَفَ بِالْحُرِّيَّةِ فَتَثْبُتُ الْحُرِّيَّةُ شَرْعًا تَصْحِيحًا لِكَلَامِهِ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ ثُبُوتَهَا اقْتِضَاءً تَصْحِيحًا لِإِخْبَارِهِ الضِّمْنِيِّ وَهُوَ لَا يَقْتَضِي نَقْلَ الْإِخْبَارِ إلَى الْإِنْشَاءِ، وَأَمَّا كَلَامُهُ فِي الْمَوْضِعِ الثَّالِثِ وَهُوَ قَوْلُهُ يَا ابْنِي، يَا أَخِي حَيْثُ لَا يُعْتَقُ فَزَادَ فِيهِ فِي ثُبُوتِ الْإِعْتَاقِ قَيْدًا آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَصْفُ الَّذِي عَبَّرَ بِهِ عَنْ الْمُنَادَى يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَتِهِ كَالْعِتْقِ وَمَا لَا يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ يُجْعَلُ لِمُجَرَّدِ إعْلَامِهِ بِاسْتِحْضَارِهِ، وَالْبُنُوَّةُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا حَالَةَ النِّدَاءِ لِأَنَّهُ لَوْ خُلِقَ مِنْ مِائَةٍ كَانَ ابْنًا لَهُ قَبْلَ النِّدَاءِ لَا بِهِ.
[فَرْعٌ]
فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ قَالَ لِعَبْدِ غَيْرِهِ يَا حُرُّ اسْقِنِي ثُمَّ اشْتَرَاهُ يُعْتَقُ، قِيلَ: هَذَا نَقْضٌ لِلْقَاعِدَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ حَالَ النِّدَاءِ بِأَنْ أَعْتَقَ عَبْدَ غَيْرِهِ فَأَجَازَ الْمَوْلَى فَإِنَّهُ يُعْتَقُ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّ مُرَادَهُ الْإِعْلَامُ) أَيْ إعْلَامُ الْعَبْدِ بِاسْمٍ عَلِمَهُ لِيَحْضُرَ بِنِدَائِهِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ عِلْمِيَّتُهُ لَهُ مَعْلُومَةً فَيَكُونُ قَصَدَ غَيْرَهُ، اسْتِحْضَارُ الذَّاتِ هُوَ الِاحْتِمَالُ دُونَ الظَّاهِرِ فَلَا يُعْتَقُ إلَّا أَنْ يُرِيدَهُ فَيُعْتَقُ حِينَئِذٍ.
(قَوْلُهُ أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ فَرْجُك حُرٌّ) خَصَّ الْأَمَةَ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِعَبْدِهِ فَرْجُك