للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِأَنَّهَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِيهِ شَرْعًا وَعُرْفًا فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ النِّيَّةِ وَالْوَضْعِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْإِخْبَارِ فَقَدْ جُعِلَ إنْشَاءً فِي التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ لِلْحَاجَةِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَالْبَيْعِ وَغَيْرِهِمَا (وَلَوْ قَالَ عَنَيْت بِهِ الْإِخْبَارَ الْبَاطِلَ أَوْ أَنَّهُ حُرٌّ مِنْ الْعَمَلِ صُدِّقَ دِيَانَةً)

عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْمَكِّيِّ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ «مَنْ لَعِبَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَيْهِ» وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ﴿وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا﴾ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي وُقُوعَهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ الْهَزْلِ بِهِ.

وَذَكَرَ يَعْنِي مُحَمَّدًا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: مَنْ تَكَلَّمَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ أَوْ نِكَاحٍ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَيْهِ. وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الصَّرِيحِ فَكُّ الرَّقَبَةِ. وَدَفَعَ بِأَنَّهُ خِلَافُ الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ لِذَلِكَ الْقَائِلِ «أَلَيْسَا سَوَاءً؟ فَكُّ الرَّقَبَةِ أَنْ تُعِينَ فِي عِتْقِهَا» وَقَوْلُهُ تُصْبِحُ حُرًّا إضَافَةٌ لِلْعِتْقِ وَتَقُومُ حُرًّا وَتَقْعُدُ يُعْتَقُ فِي الْحَالِ. وَلَوْ قَالَ: أَنْتَ حُرُّ النَّفْسِ عَتَقَ فِي الْقَضَاءِ، وَإِنْ قَالَ فِي أَفْعَالِك وَأَخْلَاقِك لَا يُعْتَقُ، هَكَذَا رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةٍ وَقَالَ: أَمَّا أَنَا أَرَى أَنْ يُعْتَقَ إذَا أَرَادَ بِهِ الْحُرِّيَّةَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: يُعْتِقُ بِالنِّيَّةِ، قِيلَ وَالظَّاهِرُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَبِأَدْنَى تَأَمُّلٍ يَظْهَرُ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْعِبَارَتَيْنِ فِي الْمَعْنَى، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمَا عَلَى هَذَا النَّقْلِ. وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ صَرِيحٌ وَاسْتُبْعِدَ.

(قَوْلُهُ لِأَنَّهَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِيهِ شَرْعًا وَعُرْفًا) عَلَى وَجْهٍ يَتَبَادَرُ بِلَا قَرِينَةٍ مَعَ الشُّهْرَةِ فِيهِ وَذَلِكَ أَمَارَةُ الْوَضْعِ فَوَافَقَ قَوْلَ الْإِيضَاحِ وَغَيْرَهُ حَيْثُ قَالُوا: الصَّرِيحُ مَا وُضِعَ لَهُ وَالْوَضْعُ يُغْنِي عَنْ النِّيَّةِ.

(قَوْلُهُ فَأَغْنَى عَنْ النِّيَّةِ) يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ النِّيَّةُ لِثُبُوتِ الْعِتْقِ، أَمَّا نِيَّةُ عَدَمِهِ بِأَنْ يَنْوِيَ بِهِ شَيْئًا آخَرَ فَمُعْتَبَرٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا فِي الْقَضَاءِ عَلَى مَا سَيُذْكَرُ.

(قَوْلُهُ وَالْوَضْعُ) أَيْ وَضْعُ التَّرْكِيبِ لَا الْمُفْرَدِ عَلَى مَا لَا يَخْفَى وَلَا الْمُرَكَّبُ حَتَّى يَجِيءَ فِيهِ الْخِلَافُ فِي وَضْعِ الْمُرَكَّبِ بَلْ التَّرْكِيبَاتُ مَوْضُوعَةٌ وَضْعًا نَوْعِيًّا؛ مَثَلًا وَضْعُ نِسْبَةِ الْفِعْلِ الَّذِي عَيَّنَ الْوَاضِعُ صِيغَتَهُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى مُضِيِّ حَدَثِهِ إلَى شَيْءٍ لِيُفِيدَ الْإِخْبَارَ بِأَنَّهُ وَقَعَ مِنْهُ فِيمَا تَقَدَّمَ عَلَى وَقْتِ النُّطْقِ فَجَعَلَهُ لِإِثْبَاتِ أَمْرٍ لَمْ يَكُنْ وُضِعَ آخَرُ لَهُ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَاجَةَ قَائِمَةٌ إلَى إثْبَاتِ هَذِهِ الْمَعَانِي عِنْدَ النُّطْقِ وَلَا بُدَّ مِنْ دَفْعِهَا، وَقَدْ اسْتَعْمَلَ الشَّرْعُ وَالْعُرْفُ وَاللُّغَةُ فِي ذَلِكَ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ فَكَانَتْ حَقَائِقَ شَرْعِيَّةً عَلَى وَفْقِ اللُّغَةِ فِيهَا، وَهَذَا لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ أَيْضًا يُثْبِتُونَ هَذَا الْمَعْنَى: أَعْنِي تَحْرِيرَ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ بِبَعْضِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ، فَقَوْلُهُ فَقَدْ جُعِلَ إنْشَاءً فِي التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ لَمْ يُصَرِّحْ بِفَاعِلِ الْجَعْلِ الْمَذْكُورِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ الشَّارِعُ وَيُفِيدُهُ قَوْلُهُ كَمَا فِي الْبَيْعِ أَيْضًا، وَحِينَئِذٍ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِجَعَلِ الشَّارِعِ تَقْرِيرَهُ، وَكَذَا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي بَابِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ تَقْرِيرَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ مِنْ أَنَّ الطَّلَاقَ يَثْبُتُ اقْتِضَاءً تَصْحِيحًا لِإِخْبَارِهِ قَبِيلَهُ.

وَكَلَامُ الْكَافِي فِي الْعِتْقِ أَيْضًا مِثْلُهُ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ عَلَى خَبَرِيَّتِهِ لَمْ يُجْعَلْ إنْشَاءً أَصْلًا، وَعَلَى هَذَا قَرَّرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الطَّلَاقِ، وَلَفْظُهُ فِي الْبَيْعِ يُخَالِفُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَا تُعْتَبَرُ النِّيَّةُ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُعْتَبَرُ إذَا كَانَ الْمُرَادُ مُشْتَبَهًا. وَالْحَقُّ أَنَّ الْمَعْنَى مُتَبَادَرٌ فِي خُصُوصِ الْمَادَّةِ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْخِطَابُ لِعَبْدٍ أَوْ بِالْإِشَارَةِ كَقَوْلِهِ هَذَا حُرٌّ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ بِهِ أَيْضًا، وَالْوَضْعُ يُعْهَدُ بِاعْتِبَارِ خُصُوصِ مُخَاطَبٍ وَمُتَكَلِّمٍ فَلَمْ يَكُنْ وَضْعًا جَدِيدًا فَلْيَكُنْ ثُبُوتُ الْعِتْقِ عِنْدَهُ بِحُكْمِ الشَّرْعِ بِهِ اقْتِضَاءً تَصْحِيحًا لِإِخْبَارِهِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْكَافِي هُنَا وَهُوَ وَغَيْرُهُ فِي الطَّلَاقِ. ثُمَّ هَذَا التَّقْرِيرُ إنَّمَا يَجْرِي فِي غَيْرِ النِّدَاءِ، أَمَّا فِي النِّدَاءِ فَالتَّحْرِيرُ فِيهِ لَا يَثْبُتُ وَضْعًا بَلْ اقْتِضَاءً عَلَى مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ. هَذَا وَيَلْحَقُ بِالصَّرِيحِ قَوْلُهُ لِعَبْدِهِ وَهَبْتُك نَفْسَك أَوْ بِعْتُك نَفْسَك مِنْك فَإِنَّهُ يُعْتَقُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لِأَنَّ مُوجِبَ هَذَا اللَّفْظِ إزَالَةُ مِلْكِهِ، إلَّا أَنَّهُ إذَا أَوْجَبَهُ لِآخَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>