للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِأَنَّ السُّلْطَانَ عِبَارَةٌ عَنْ الْيَدِ، وَسُمِّيَ السُّلْطَانُ بِهِ لِقِيَامِ يَدِهِ وَقَدْ يَبْقَى الْمِلْكُ دُونَ الْيَدِ كَمَا فِي الْمُكَاتَبِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك لِأَنَّ نَفْيَهُ مُطْلَقًا بِانْتِفَاءِ الْمِلْكِ لِأَنَّ لِلْمَوْلَى عَلَى الْمُكَاتَبِ سَبِيلًا فَلِهَذَا يَحْتَمِلُ الْعِتْقَ.

(وَلَوْ قَالَ هَذَا ابْنِي

أَنْتَ لِلَّهِ أَوْ جَعَلْتُك لِلَّهِ خَالِصًا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ وَإِنْ نَوَى، لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا لِلَّهِ بِحُكْمِ التَّخْلِيقِ، وَعَنْهُمَا أَنَّهُ يُعْتَقُ لِأَنَّ الْخُلُوصَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْعِتْقِ. وَالثَّانِي نَحْوَ أَنْ يَقُولَ لِعَبْدِهِ بِنْتَ مِنِّي وَلِأَمَتِهِ بِنْتِ عَنِّي أَوْ حَرُمْت عَلَيَّ أَوْ أَنْتِ بَرِيَّةٌ أَوْ بَائِنٌ أَوْ بَتَّةٌ أَوْ اُخْرُجِي أَوْ اُغْرُبِي أَوْ اسْتَتِرِي أَوْ تَقَنَّعِي أَوْ اذْهَبِي أَوْ اخْتَارِي فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا لِأَنَّهُ يَثْبُتُ الْعِتْقُ بِهَا وَإِنْ نَوَاهُ، وَكَذَلِكَ طَلَّقْتُك وَكَذَا سَائِرُ صَرَائِحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَاتِهِ لِمَا سَنَذْكُرُ، وَكَذَا إذَا قَالَ اذْهَبْ أَوْ تَوَجَّهْ حَيْثُ شِئْت مِنْ بِلَادِ اللَّهِ لَا يُعْتَقُ وَإِنْ نَوَى، وَفِي الْمُغْنِي اذْهَبْ حَيْثُ شِئْت كِنَايَةٌ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ مِثْلُ الْحُرِّ لَا يُعْتَقُ لِأَنَّ التَّشْبِيهَ لِلْمُشَارَكَةِ فِي بَعْضِ الْمَعَانِي وَقَدْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ. وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: يُعْتَقُ إذَا نَوَى كَقَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ مِثْلَ امْرَأَةُ فُلَانٍ وَفُلَانٍ قَدْ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ يَصِيرُ بِهِ مُولِيًا إنْ نَوَى الْإِيلَاءَ.

(قَوْلُهُ لِأَنَّ السُّلْطَانَ عِبَارَةٌ عَنْ الْيَدِ) قِيلَ فِيهِ تَسَامُحٌ، بَلْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ صَاحِبِ الْيَدِ، وَالسَّلْطَنَةُ الْيَدُ، لَكِنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ يُفِيدُ أَنَّهُ التَّحَقُّقُ لَا التَّسَاهُلُ وَالتَّجَوُّزُ فَإِنَّهُ قَالَ: وَسُمِّيَ السُّلْطَانُ بِهِ لِقِيَامِ يَدِهِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ الْأَصْلِيَّ لِلسُّلْطَانِ هُوَ الْيَدُ وَتَسْمِيَةُ غَيْرِهِ بِهِ لِاتِّصَافِهِ بِالْيَدِ كَمَا تُسَمِّي رَجُلًا بِالْفَضْلِ لِاتِّصَافِهِ بِهِ، ثُمَّ قِيلَ هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْن الْحُجَّةِ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كُلُّ سُلْطَانٍ فِي الْقُرْآنِ هُوَ الْحُجَّةُ وَالْيَدُ، فَإِذَا قَالَ لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك فَإِنَّمَا نَفْيُ الْحُجَّةِ وَالْيَدِ وَنَفْيُ كُلٍّ مِنْهُمَا لَا يَسْتَدْعِي نَفْيَ الْمِلْكِ كَالْمُكَاتَبِ، بِخِلَافِ نَفْيِ السَّبِيلِ لِأَنَّهُ نَفْيُ الطَّرِيقِ، وَالطَّرِيقُ الْمَسْلُوكُ لَا يُرَادُ حَقِيقَةً هُنَا فَجُعِلَ كِنَايَةً عَنْ الْمِلْكِ، لِأَنَّ الطَّرِيقَ مَا يَتَوَصَّلُ بِهِ إلَى غَيْرِهِ، وَالْمِلْكُ فِي الْعَبْدِ يُتَوَصَّلُ بِهِ شَرْعًا إلَى إنْقَاذِ التَّصَرُّفَاتِ، فَإِذَا صَحَّ جَهْلُهُ كِنَايَةً عَنْهُ عَتَقَ إذَا أَرَادَهُ، بِخِلَافِ السُّلْطَانِ فَإِنَّهُ الْيَدُ فَنَفْيُهُ نَفْيُ الْيَدِ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَلْزِمٍ نَفْيَ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْمُكَاتَبِ، فَلَوْ جُعِلَ كِنَايَةً عَنْ الْعِتْقِ وَفِيهِ إزَالَةُ الْيَدِ وَالْمِلْكِ لَثَبَتَ بِاللَّفْظِ أَكْثَرَ مِمَّا وُضِعَ لَهُ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا لَا حُجَّةَ لِي عَلَيْك.

وَاعْلَمْ أَنَّ بَعْضَ الْمَشَايِخِ مَالَ أَنَّهُ يُعْتَقُ بِالنِّيَّةِ فِي لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك، وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ. وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: إنَّهُ لَيْسَ بِبَعِيدٍ. وَعَنْ الْكَرْخِيِّ : فَنِيَ عُمْرِي وَلَمْ يَتَّضِحْ لِي الْفَرْقُ بَيْنَ نَفْيِ السُّلْطَانِ وَالسَّبِيلِ، وَمِثْلُ هَذَا الْإِمَامِ لَا يَقَعُ لَهُ مِثْلُ هَذَا إلَّا وَالْمَحَلُّ مُشْكِلٌ وَهُوَ بِهِ جَدِيرٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَإِنَّ الْيَدَ الْمُفَسَّرَ بِهَا السُّلْطَانُ لَيْسَ مُرَادًا بِهَا الْجَارِحَةُ الْمَحْسُوسَةُ بَلْ الْقُدْرَةُ، فَإِذَا قِيلَ لَهُ سُلْطَانٌ: أَيْ يَدٌ يَعْنِي الِاسْتِيلَاءَ. وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْكَافِي بِأَنَّ السُّلْطَانَ يُرَادُ بِهِ الِاسْتِيلَاءُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ نَفْيُهُ نَفْيَ الِاسْتِيلَاءِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا فَصَحَّ أَنْ يُرَادَ مِنْهُ مَا يُرَادُ بِنَفْيِ السَّبِيلِ بَلْ أَوْلَى بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَالْمَانِعُ الَّذِي عَيَّنَهُ مِنْ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْعِتْقُ وَهُوَ لُزُومُ أَنْ يَثْبُتَ بِاللَّفْظِ أَكْثَرُ مِمَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>