للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الْمَوْضِعِ، فَإِنَّ مَا كُلِّفَ بِهِ قَطْعًا لَا يَلْزَمُ فِي إثْبَاتِ مُقْتَضَاهُ الْقَطْعُ بِهِ، فَإِنَّ طَهَارَةَ الْمَاءِ وَالصَّعِيدِ الْمُكَلَّفِ بِتَحْصِيلِهِمَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ التَّكْلِيفِ الْبِنَاءُ عَلَى الْأَصْلِ فِيهِمَا، وَذَلِكَ لَا يُفِيدُ الْقَطْعَ بَلْ يُجَوِّزُ الْمُسْتَعْمِلُ نَجَاسَتَهُمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَقَدْ تَكُونُ ثَابِتَةً وَالْعُلُومُ لَا تَحْتَمِلُ النَّقِيضَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَا عِنْدَ مَنْ قَامَتْ بِهِ لَوْ قَدَّرَهُ، لَكِنْ امْتَنَعَ هُنَا لِاسْتِلْزَامِهِ نَوْعَ مُعَارَضَةٍ لِلْكِتَابِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ شَرْعًا أَنَّ التَّطْهِيرَ بِاسْتِعْمَالِ الْمُطَهِّرِ وَلَمْ يُفْعَلْ فَلَا يَكُونُ طَاهِرًا فَكَانَ النَّصُّ طَالِبًا لِلتَّيَمُّمِ بِهَذَا التُّرَابِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَالْخَبَرُ يُجِيزُ اسْتِعْمَالَهُ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ فَلَا يُعْتَبَرُ، بِخِلَافِ طَهَارَةِ الْمَكَانِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ دَلَالَةَ النَّصِّ بَعْدَ دُخُولِهَا التَّخْصِيصَ بِالْقَلِيلِ الَّذِي لَا يُحْتَرَزُ عَنْهُ إجْمَاعًا، وَمَا دُونَ الدِّرْهَمِ عِنْدَنَا تَطَلُّبُهُ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ فَجَازَ أَنْ يُعَارِضَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَيُثْبِتَ حُكْمَهُ.

لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: إنَّ النَّصَّ إنَّمَا يَطْلُبُهُ طَاهِرًا فَقَطْ، وَكَوْنُ الْمَعْرُوفِ مِنْ الشَّرْعِ أَنَّ التَّطْهِيرَ بِاسْتِعْمَالِ الْمُطَهِّرِ عَلَى إرَادَةِ الْحَصْرِ مَمْنُوعٌ، إذْ قَدْ عُرِفَ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّهَا بِالْجَفَافِ فِي الْأَرْضِ فَيَثْبُتُ بِهِ نَوْعٌ آخَرُ مِنْ أَسْبَابِ الطَّهَارَةِ ظَنًّا فَيَتَأَدَّى بِهِ الْوَاجِبُ قَطْعًا.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَحَلَّ الْقَطْعِ هُوَ نَفْسُ التَّكْلِيفِ بِالطَّاهِرِ، وَمَحَلُّ الظَّنِّ كَوْنُهُ طَاهِرًا فَلَمْ يَتَلَاقَيَا فِي مَحَلٍّ فَلَا تَعَارُضَ.

وَالْأَوْلَى مَا قِيلَ إنَّ الصَّعِيدَ عُلِمَ قَبْلَ التَّنَجُّسِ طَاهِرًا وَطَهُورًا وَبِالتَّنَجُّسِ عُلِمَ زَوَالُ الْوَصْفَيْنِ، ثُمَّ ثَبَتَ بِالْجَفَافِ شَرْعًا: أَحَدُهُمَا أَعْنِي الطَّهَارَةَ فَيَبْقَى الْآخَرُ عَلَى مَا عُلِمَ مِنْ زَوَالِهِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ طَهُورًا لَا يَتَيَمَّمُ بِهِ هَذَا.

وَقَدْ ظَهَرَ إلَى هُنَا أَنَّ التَّطْهِيرَ يَكُونُ بِأَرْبَعَةِ أُمُورٍ: بِالْغَسْلِ، وَالدَّلْكِ، وَالْجَفَافِ، وَالْمَسْحِ فِي الصَّقِيلِ دُونَ مَاءٍ.

وَالْفَرْكُ يَدْخُلُ فِي الدَّلْكِ، بَقِيَ الْمَسْحُ بِالْمَاءِ فِي مَحَاجِمِهِ ثَلَاثًا بِثَلَاثِ خِرَقٍ طَاهِرَةٍ، وَقِيَاسُهُ مَا حَوْلَ مَحَلِّ الْقَصْدِ إذَا تَلَطَّخَ وَيُخَافُ مِنْ الْإِسَالَةِ السَّرَيَانُ إلَى الثُّقْبِ، وَآخَرُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَهُوَ بِانْقِلَابِ الْعَيْنِ فِي غَيْرِ الْخَمْرِ كَالْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ تَقَعُ فِي الْمُمْلِحَةِ فَتَصِيرُ مِلْحًا تُؤْكَلُ، وَالسِّرْقِينُ وَالْعَذِرَةُ تَحْتَرِقُ فَتَصِيرُ رَمَادًا تَطْهُرُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّجْنِيسِ ظَاهِرٌ فِي اخْتِيَارِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ قَالَ: خَشَبَةٌ أَصَابَهَا بَوْلٌ فَاحْتَرَقَتْ وَوَقَعَ رَمَادُهَا فِي بِئْرٍ يُفْسِدُ الْمَاءَ، وَكَذَلِكَ رَمَادُ الْعَذِرَةِ، وَكَذَا الْحِمَارُ إذَا مَاتَ فِي مُمْلِحَةٍ لَا يُؤْكَلُ الْمِلْحُ، وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ لِأَنَّ الرَّمَادَ أَجْزَاءٌ لِتِلْكَ النَّجَاسَةِ فَتَبْقَى النَّجَاسَةُ مِنْ وَجْهٍ فَالْتُحِقَتْ بِالنَّجِسِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ احْتِيَاطًا انْتَهَى.

وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ اخْتَارُوا قَوْلَ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ الشَّرْعَ رَتَّبَ وَصْفَ النَّجَاسَةِ عَلَى تِلْكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>