وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا تَجُوزُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْمُزِيلُ (وَ) لِهَذَا (لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ) وَلَنَا قَوْلُهُ ﵊ «ذَكَاةُ الْأَرْضِ يُبْسُهَا» وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ لِأَنَّ طَهَارَةَ الصَّعِيدِ ثَبَتَتْ شَرْطًا بِنَصِّ الْكِتَابِ فَلَا تَتَأَدَّى بِمَا ثَبَتَ بِالْحَدِيثِ.
مِنْ الْأَثَرِ الذَّاهِبِ: اللَّوْنُ أَوْ الرِّيحُ. وَحَدِيثُ ذَكَاةِ الْأَرْضِ يُبْسُهَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَثَرًا عَنْ عَائِشَةَ، وَبَعْضُهُمْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ، وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي قِلَابَةَ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهُ: جُفُوفُ الْأَرْضِ طَهُورُهَا، وَرَفَعَهُ الْمُصَنِّفُ، وَذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ: أَيُّمَا أَرْضٍ جَفَّتْ فَقَدْ ذَكَتْ. حَدِيثًا مَرْفُوعًا،
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ.
وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد: بَابُ طَهُورِ الْأَرْضِ إذَا يَبِسَتْ وَسَاقَ بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنْت أَبِيتُ فِي الْمَسْجِدِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَكُنْت فَتًى شَابًّا عَزَبًا، وَكَانَتْ الْكِلَابُ تَبُولُ وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ وَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَلَوْلَا اعْتِبَارُهَا تَطْهُرُ بِالْجَفَافِ كَانَ ذَلِكَ تَبْقِيَةً لَهَا بِوَصْفِ النَّجَاسَةِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُمْ يَقُومُونَ عَلَيْهَا فِي الصَّلَاةِ أَلْبَتَّةَ إذْ لَا بُدَّ مِنْهُ مَعَ صِغَرِ الْمَسْجِدِ وَعَدَمِ مَنْ يَتَخَلَّفُ لِلصَّلَاةِ فِي بَيْتِهِ؛ وَكَوْنِ ذَلِكَ يَكُونُ فِي بِقَاعٍ كَثِيرَةٍ مِنْ الْمَسْجِدِ لَا فِي بُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ حَيْثُ كَانَتْ تُقْبِلُ وَتُدْبِرُ وَتَبُولُ، فَإِنَّ هَذَا التَّرْكِيبَ فِي الِاسْتِعْمَالِ يُفِيدُ تَكَرُّرَ الْكَائِنِ مِنْهَا أَوْ لِأَنَّ تَبْقِيَتَهَا نَجِسَةً يُنَافِي الْأَمْرَ بِتَطْهِيرِهَا فَوَجَبَ كَوْنُهَا تَطْهُرُ بِالْجَفَافِ، بِخِلَافِ «أَمْرِهِ ﷺ بِإِهْرَاقِ ذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ عَلَى بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ فِي الْمَسْجِدِ» لِأَنَّهُ كَانَ نَهَارًا وَالصَّلَاةُ فِيهِ تُتَابَعُ نَهَارًا، وَقَدْ لَا يَجُوزُ قَبْلَ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَأَمَرَ بِتَطْهِيرِهَا بِالْمَاءِ، بِخِلَافِ مُدَّةِ اللَّيْلِ، أَوْ لِأَنَّ الْوَقْتَ كَانَ إذْ ذَاكَ قَدْ آنَ أَوْ أُرِيدَ أَنَّ ذَاكَ أَكْمَلُ الطَّهَارَتَيْنِ لِلتَّيَسُّرِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، هَذَا وَإِذَا قَصَدَ تَطْهِيرَ الْأَرْضِ صَبَّ عَلَيْهَا الْمَاءَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَجُفِّفَتْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ بِخِرْقَةٍ طَاهِرَةٍ، وَكَذَا لَوْ صَبَّ عَلَيْهَا مَاءً بِكَثْرَةٍ وَلَمْ يَظْهَرْ لَوْنُ النَّجَاسَةِ وَلَا رِيحُهَا فَإِنَّهَا تَطْهُرُ، وَلَوْ كَبَسَهَا بِتُرَابٍ أَلْقَاهُ عَلَيْهَا إنْ لَمْ تُوجَدْ رَائِحَةُ النَّجَاسَةِ جَازَتْ الصَّلَاةُ عَلَى ذَلِكَ التُّرَابِ وَإِلَّا فَلَا.
وَاخْتَلَفُوا فِي النَّابِتِ كَالشَّجَرِ وَالْكَلَإِ، قِيلَ يَطْهُرُ بِالْجَفَافِ مَا دَامَ قَائِمًا عَلَيْهَا، وَبَعْدَ الْقَطْعِ يَجِبُ الْغَسْلُ، وَكَذَا الْحَصَى حُكْمُهُ حُكْمُ الْأَرْضِ، أَمَّا الْآجُرَّةُ الْمَفْرُوشَةُ فَتَطْهُرُ بِالْجَفَافِ وَإِنْ كَانَتْ مَوْضُوعَةً تُنْقَلُ فَلَا، فَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِيمَا يَلِي الْأَرْضَ جَازَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: إذَا صَلَّى عَلَى وَجْهِهَا الطَّاهِرِ إنْ كَانَ مُرَكَّبًا جَازَ، وَإِلَّا قِيلَ لَا يَجُوزُ انْتَهَى.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْرَى فِيهِ الْخِلَافُ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي اللَّبِدِ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ طَهَارَةَ الصَّعِيدِ ثَبَتَتْ شَرْطًا بِنَصِّ الْكِتَابِ) فَلَا تَتَأَدَّى هَذِهِ الطَّهَارَةُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الظَّنِّيِّ بِخُصُوصِ هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute