للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ خَمْسٍ، وَذَكَرَ مِنْهَا الْمَنِيَّ» وَلَوْ أَصَابَ الْبَدَنَ.

قَالَ مَشَايِخُنَا : يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ لِأَنَّ الْبَلْوَى فِيهِ أَشَدُّ.

وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ لِأَنَّ حَرَارَةَ الْبَدَنِ جَاذِبَةٌ فَلَا يَعُودُ إلَى الْجِرْمِ وَالْبَدَنُ لَا يُمْكِنُ فَرْكُهُ.

(وَالنَّجَاسَةُ إذَا أَصَابَتْ الْمِرْآةَ أَوْ السَّيْفَ اكْتَفَى بِمَسْحِهِمَا) لِأَنَّهُ لَا تَتَدَاخَلُهُ النَّجَاسَةُ وَمَا عَلَى ظَاهِرِهِ يَزُولُ بِالْمَسْحِ.

(وَإِنْ أَصَابَتْ الْأَرْضَ نَجَاسَةٌ فَجَفَّتْ بِالشَّمْسِ وَذَهَبَ أَثَرُهَا جَازَتْ الصَّلَاةُ عَلَى مَكَانِهَا)

مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ مَرْفُوعًا وَلَا يَثْبُتُ اهـ. لَكِنْ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ إمَامٌ مُخَرَّجٌ لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَرَفْعُهُ زِيَادَةٌ وَهِيَ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَلِأَنَّهُ مَبْدَأُ خَلْقِ الْإِنْسَانِ وَهُوَ مُكَرَّمٌ فَلَا يَكُونُ أَصْلُهُ نَجِسًا، وَهَذَا مَمْنُوعٌ فَإِنَّ تَكْرِيمَهُ يَحْصُلُ بَعْدَ تَطْوِيرِهِ الْأَطْوَارَ الْمَعْلُومَةَ مِنْ الْمَائِيَّةِ وَالْمُضْغِيَّةِ وَالْعَلَقِيَّةِ، أَلَا يَرَى أَنَّ الْعَلَقَةَ نَجِسَةٌ، وَأَنَّ نَفْسَ الْمَنِيِّ أَصْلُهُ دَمٌ فَيَصْدُقُ أَنَّ أَصْلَ الْإِنْسَانِ دَمٌ وَهُوَ نَجِسٌ، وَالْحَدِيثُ بَعْدَ تَسْلِيمِ حُجِّيَّتِهِ رَفْعُهُ مُعَارِضٌ بِمَا قَدَّمْنَا، وَيَتَرَجَّحُ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُحَرِّمَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُبِيحِ، ثُمَّ قِيلَ: إنَّمَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ إذَا لَمْ يَسْبِقْهُ مَذْيٌ، فَإِنْ سَبَقَهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ.

وَعَنْ هَذَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: مَسْأَلَةُ الْمَنِيِّ مُشْكِلَةٌ لِأَنَّ كُلَّ فَحْلٍ يُمْذِي ثُمَّ يُمْنِي، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مَغْلُوبٌ بِالْمَنِيِّ مُسْتَهْلَكٌ فِيهِ فَيُجْعَلُ تَبَعًا اهـ.

وَهَذَا ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الْوَاقِعُ أَنَّهُ لَا يُمْنِي حَتَّى يُمْذِيَ وَقَدْ طَهَّرَهُ الشَّرْعُ بِالْفَرْكِ يَابِسًا يَلْزَمُ أَنَّهُ اعْتَبَرَ ذَلِكَ الِاعْتِبَارَ لِلضَّرُورَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَالَ وَلَمْ يَسْتَنْجِ بِالْمَاءِ حَتَّى أَمْنَى فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ حِينَئِذٍ إلَّا بِالْغُسْلِ لِعَدَمِ الْمُلْجِئِ كَمَا قِيلَ. وَقِيلَ لَوْ بَالَ وَلَمْ يَنْتَشِرْ الْبَوْلُ عَلَى رَأْسِ الذَّكَرِ بِأَنْ لَمْ يُجَاوِزْ الثُّقْبَ فَأَمْنَى لَا يُحْكَمُ بِتَنَجُّسِ الْمَنِيِّ، وَكَذَا إنْ جَاوَزَ لَكِنْ خَرَجَ الْمَنِيُّ دَفْقًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَشِرَ عَلَى رَأْسِ الذَّكَرِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ سِوَى مُرُورِهِ عَلَى الْبَوْلِ فِي مَجْرَاهُ وَلَا أَثَرَ لِذَلِكَ فِي الْبَاطِنِ، وَلَوْ كَانَ لِلْمُصَابِ بِطَانَةٌ نَفَذَ إلَيْهَا اُخْتُلِفَ فِيهِ، قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَنِيِّ، وَقَالَ الْفَضْلِيُّ: مَنِيُّ الْمَرْأَةِ لَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ لِأَنَّهُ رَقِيقٌ.

(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا تَتَدَاخَلُهُ النَّجَاسَةُ) يُفِيدُ أَنَّ قَيْدَ صِقَالَتِهَا مُرَادٌ حَتَّى لَوْ كَانَ بِهِ صَدَأٌ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْمَاءِ بِخِلَافِ الصَّقِيلِ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ: صَحَّ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ كَانُوا يَقْتُلُونَ الْكُفَّارَ بِالسُّيُوفِ وَيَمْسَحُونَهَا وَيُصَلُّونَ بِهَا، وَعَلَيْهِ يَتَفَرَّعُ مَا ذُكِرَ: لَوْ كَانَ عَلَى ظُفْرِهِ نَجَاسَةٌ فَمَسَحَهَا طَهُرَتْ، وَكَذَلِكَ الزُّجَاجَةُ وَالزُّبْدِيَّةُ الْخَضْرَاءُ: أَعْنِي الْمَدْهُونَةَ، وَالْخَشَبُ الْخُرَاطَى وَالْبُورِيَّا الْقَصَبُ.

(قَوْلُهُ فَجَفَّتْ بِالشَّمْسِ) اتِّفَاقِيٌّ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجَفَافِ بِالشَّمْسِ وَالنَّارِ أَوْ الرِّيحِ، وَالْمُرَادُ

<<  <  ج: ص:  >  >>