وَإِنْ كَانَ يَنْتَظِمُ النَّاصِرَ وَابْنَ الْعَمِّ وَالْمُوَالَاةُ فِي الدِّينِ وَالْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ فِي الْعَتَاقَةِ إلَّا أَنَّهُ تَعَيَّنَ الْأَسْفَلُ فَصَارَ كَاسْمٍ خَاصٍّ لَهُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَنْصِرُ بِمَمْلُوكِهِ عَادَةً وَلِلْعَبْدِ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ فَانْتَفَى الْأَوَّلُ. وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ نَوْعُ مَجَازٍ، وَالْكَلَامُ لِلْحَقِيقَةِ وَالْإِضَافَةُ إلَى الْعَبْدِ تُنَافِي كَوْنَهُ مُعْتَقًا فَتَعَيَّنَ الْمَوْلَى الْأَسْفَلُ فَالْتَحَقَ بِالصَّرِيحِ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ: هَذِهِ مَوْلَاتِي لِمَا بَيَّنَّا، وَلَوْ قَالَ: عَنَيْت بِهِ الْمَوْلَى فِي الدِّينِ أَوْ الْكَذِبَ يُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ لِمُخَالَفَتِهِ الظَّاهِرَ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَمَّا تَعَيَّنَ الْأَسْفَلُ مُرَادًا الْتَحَقَ بِالصَّرِيحِ وَبِالنِّدَاءِ بِاللَّفْظِ الصَّرِيحِ يُعْتَقُ بِأَنْ قَالَ: يَا حُرُّ يَا عَتِيقُ فَكَذَا النِّدَاءُ بِهَذَا اللَّفْظِ. وَقَالَ زُفَرُ ﵀ لَا يُعْتَقُ فِي الثَّانِي لِأَنَّهُ يَقْصِدُ بِهِ الْإِكْرَامَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ يَا سَيِّدِي يَا مَالِكِي. قُلْنَا: الْكَلَامُ لِحَقِيقَتِهِ وَقَدْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِ، بِخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَخْتَصُّ بِالْعِتْقِ
كَوْنَهُ ابْنَهُ ثَبَتَ النَّسَبُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ يَنْتَظِمُ النَّاصِرُ) قَالَ تَعَالَى ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ﴾ وَابْنُ الْعَمِّ كَمَا ذُكِرَ فِي قَوْله تَعَالَى حِكَايَةٍ عَنْ زَكَرِيَّا ﴿وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي﴾.
(قَوْلُهُ فَتَعَيَّنَ الْأَسْفَلُ فَالْتَحَقَ بِالصَّرِيحِ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ شَارِحٌ أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ اُسْتُعْمِلَ فِي مَعَانٍ فَلَا يَكُونُ مَكْشُوفَ الْمُرَادِ فَلَا يَكُونُ صَرِيحًا فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ. وَقَوْلُهُمْ الْمَوْلَى لَا يَسْتَنْصِرُ بِمَمْلُوكِهِ عَادَةً مَمْنُوعٌ بَلْ تَحْصُلُ لَهُ النُّصْرَةُ بِهِمْ. عَلَى أَنَّا نَقُولُ: الصَّرِيحُ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ، وَالْمُتَكَلِّمُ يُنَادِي أَنَا عَنِيت النَّاصِرَ بِلَفْظِ الْمَوْلَى وَلَهُ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ حَقِيقَةً، وَهُمْ يَقُولُونَ: دَلَالَةُ الْحَالِ مِنْ كَلَامِك تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْأَسْفَلُ وَلَا تُعْتَبَرُ إرَادَةُ النَّاصِرِ وَنَحْوُهُ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْمُكَابَرَةِ اهـ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ اُسْتُعْمِلَ فِي مَعَانٍ فَلَا يَكُونُ مَكْشُوفَ الْمُرَادِ إنْ أَرَادَ دَائِمًا مَنَعْنَاهُ لِجَوَازِ أَنْ يَنْكَشِفَ الْمُرَادُ مِنْ الْمُشْتَرَكِ فِي بَعْضِ الْمَوَارِدِ الِاسْتِعْمَالِيَّة لِاقْتِرَانِهِ بِمَا يَنْفِي غَيْرَهُ اقْتِرَانًا ظَاهِرًا كَمَا هُوَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، وَمَنْعُهُ أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَنْصِرُ بِعَبْدِهِ لَا يُلَائِمُ مَا أَسْنَدَهُ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ تَحْصُلُ النُّصْرَةُ بِهِمْ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ إذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ لَا يَسْتَدْعِي لِلنَّصْرِ عَبْدَهُ بَلْ بَنِي عَمِّهِ وَإِنْ كَانَ الْعَبِيدُ وَالْخَدَمُ يَنْصُرُونَهُ لَكِنَّهُ يَأْنَفُ مِنْ دُعَائِهِمْ عَادَةً وَنِدَائِهِمْ لِذَلِكَ فَأَيْنَ دُعَاؤُهُ إيَّاهُمْ لِذَلِكَ مِنْ كَوْنِهِمْ يَنْصُرُونَهُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ الصَّرِيحُ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ فَكَأَنَّهُ أَرَادَ الْكِنَايَةَ فَطَغَى قَلَمُهُ فَنَقُولُ هَذَا الصَّرِيحُ وَهُوَ قَوْلُهُ أَرَدْت النَّاصِرَ بِلَفْظِ الْمَوْلَى إنَّمَا قَالَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ عَمَّا هُوَ مُلْحَقٌ بِالصَّرِيحِ فِي إرَادَتِهِ الْعَتِيقَ فَأَثْبَتَ حُكْمَهُ ذَلِكَ ظَاهِرًا، وَهَذَا الصَّرِيحُ بَعْدَهُ رُجُوعٌ عَنْهُ فَلَا يَقْبَلُهُ الْقَاضِي وَالْكَلَامُ فِيهِ، وَنَحْنُ نَقُولُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ ﷾ لَوْ أَرَادَ النَّاصِرَ لَمْ يُعْتَقْ فَأَيْنَ الْمُكَابَرَةُ. وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا ذَهَبَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ فِي هَذَا مَوْلَايَ إلَّا بِالنِّيَّةِ: وَأَنَّهُ بَيْنَ الصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ (قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ: لَا يُعْتَقُ فِي الثَّانِي) وَهُوَ يَا مَوْلَايَ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَبِقَوْلِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْإِكْرَامُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ يَا سَيِّدِي يَا مَالِكِيِّ أَفَادَ أَنَّهُمَا مِنْ الْكِنَايَاتِ بِالِاتِّفَاقِ، فَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ ذَلِكَ نَاوِيًا لِلْعِتْقِ عَتَقَ وَهَكَذَا فِي يَا سَيِّدُ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ يُعْتَقُ بِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَنْوِ، وَقِيلَ إذَا لَمْ يَنْوِ عَتَقَ فِي يَا سَيِّدِي لَا فِي يَا سَيِّدُ. وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ فِيهِمَا إلَّا بِالنِّيَّةِ.
(قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ) وَهُوَ يَا سَيِّدِي يَا مَالِكِيِّ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَخْتَصُّ بِالْعِتْقِ فِي الْحَالِ وَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute