. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الْعَبْدِ كَانَ تَضْمِينُ غَيْرِهِ غَيْرَهُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ وَإِنْ حَصَلَ إفْسَادُ نَصِيبِهِ بِعِتْقِهِ الِاخْتِيَارِيِّ لَكِنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا هَدَمَ دَارِهِ فَانْهَدَمَتْ لِذَلِكَ دَارُ جَارِهِ. وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُعَارَضَةٌ لِلنُّصُوصِ بِالتَّعْلِيقِ فَإِنَّهَا أَوْجَبَتْ السِّعَايَةُ إذَا كَانَ الْمُعْتَقُ مُعْسِرًا لَا إذَا كَانَ مُوسِرًا.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الشَّرْطَ يُوجِبُ الْوُجُودَ عِنْدَ الْوُجُودِ وَلَا يُوجِبُ الْعَدَمَ عِنْدَ الْعَدَمِ فَلَا يَلْزَمُ نَفْيُ الِاسْتِسْعَاءِ عِنْدَ نَفْيِ الْإِعْسَارِ فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَ عَدَمِهِ أَيْضًا بِالدَّلِيلِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاحْتِبَاسِ كَذَا أَوْرَدَهُ شَارِحٌ. وَأَجَابَ: وَالتَّحْقِيقُ فِي إيرَادِهِ أَنَّ النُّصُوصَ قَسَّمَتْ فَأَعْطَتْ حُكْمَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَحُكْمَ عَدَمِهِ فَقَالَ عِنْدَ الْيَسَارِ التَّضْمِينُ، وَعِنْدَ عَدَمِهِ وَهُوَ الْإِعْسَارُ الِاسْتِسْعَاءُ، وَالْقِسْمَةُ تُفِيدُ اخْتِصَاصَ كُلِّ قِسْمٍ بِحُكْمِهِ فَلَا يُوجَدُ الِاسْتِسْعَاءُ عِنْدَ الْيَسَارِ كَمَا لَا يُوجَدُ التَّضْمِينُ عِنْدَ الْإِعْسَارِ وَحِينَئِذٍ يَنْدَفِعُ ذَلِكَ الْجَوَابُ. وَقَدْ أُجِيب أَيْضًا بِنَحْوِهِ وَهُوَ أَنَّ الْقِسْمَةَ ذُكِرَتْ بِلَفْظِ الشَّرْطِ، وَهُوَ إنَّمَا يَقْتَضِي الْوُجُودَ عِنْدَ الْوُجُودِ، وَحَقِيقَةُ هَذَا الْجَوَابِ مَنْعُ أَنَّ الْقِسْمَةَ تُنَافِي الشَّرِكَةَ مُطْلَقًا، بَلْ ذَاكَ إذَا لَمْ تَكُنْ بِشَرْطَيْنِ بَلْ بِشَرْطٍ وَاحِدٍ مِثْلُ قَوْلِهِ ﵊ «وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ» وَلَيْسَ بِشَيْءٍ إذْ لَا أَثَرَ لِتَعَدُّدِ الشَّرْطِ وَوَحْدَتِهِ فِي اخْتِلَافِ حُكْمِ الْقِسْمَةِ. وَفِي الْكَافِي: جَهْلُ فَائِدَةِ الْقِسْمَةِ نَفْيُ الضَّمَانِ لَوْ كَانَ فَقِيرًا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ كَمَا تُفِيدُ نَفْيَ الضَّمَانِ لَوْ كَانَ فَقِيرًا تُفِيدُ نَفْيَ الِاسْتِسْعَاءِ لَوْ كَانَ مُوسِرًا بِعَيْنِ الْجِهَةِ الَّتِي تُفِيدُ بِهَا تِلْكَ الْإِفَادَةَ.
فَإِنْ قِيلَ: فَمِنْ أَيِّ وَجْهٍ أَفَادَتْ الْقِسْمَةُ نَفْيَ الشَّرِكَةِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمَّا أَعْطَى فِيهَا حُكْمَ الشَّرْطِ وَحُكْمَ نَقِيضِهِ كَانَ ظَاهِرًا فِي أَنَّ الْمَذْكُورَ مَعَ كُلٍّ مِنْ النَّقِيضَيْنِ تَمَامُ حُكْمِهِ فَلَا يَكُونُ لَهُ حُكْمٌ آخَرُ غَيْرُهُ. وَغَايَةُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ اقْتِصَارَ الشَّارِعِ عَلَى التَّضْمِينِ عِنْدَ الْيَسَارِ لِأَنَّهُ الْمُحْتَاجُ إلَى بَيَانِهِ إذَا كَانَ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ الظَّاهِرِيِّ، وَذَلِكَ أَنَّ الدَّلِيلَ وَهُوَ الِاحْتِبَاسُ يَقْتَضِي قَصْرَ الِاسْتِسْعَاءِ عَلَى عِتْقِ الشَّرِيكِ سَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا فَلَا يَجُوزُ تَضْمِينُ الْمُعْتِقُ، فَبَيَّنَ الشَّارِعُ مَوْضِعَ مُخَالَفَتِهِ وَهُوَ التَّضْمِينُ فِي صُورَةِ الْيَسَارِ وَتَرْكُ الْآخَرِ وَهُوَ جَوَازُ اسْتِسْعَاءِ الْعَبْدِ فِيهَا لِأَنَّ الدَّلِيلَ مَنْصُوبٌ عَلَيْهِ وَهَذَا لِأَنَّ الدَّلِيلَ أَفَادَ جَوَازَ الِاسْتِسْعَاءِ مَقْصُورًا فَنَفَى الْقَصْرَ وَبَقِيَ جَوَازُهُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِي هَذَا تَقْلِيلَ مُعَارَضَةِ الدَّلِيلَيْنِ لِأَنَّهُ فِي قَصْرِ الْجَوَازِ عَلَى الِاسْتِسْعَاءِ أَقَلُّ مِنْهُ فِي نَفْيِ أَصْلِ جَوَازِهِ، وَهَذَا الِاعْتِبَارُ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ. وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ مُخَصِّصًا لِلْقِيَاسِ، إذْ بَيَّنَ بِشَرْعِيَّةِ التَّضْمِينِ مَعَ الْيَسَارِ أَنَّ تَعْيِينَ الِاسْتِسْعَاءِ إنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِ مَا إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِنَفْسِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَحَلِّ، أَمَّا إذَا كَانَ وَلَهُ قُدْرَةٌ عَلَى إتْمَامِهَا وَجَبَ كَالشُّرُوعِ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ خُصُوصًا وَعَدَمُ إتْمَامِهَا يُوجِبُ إتْعَابًا لِلْآخَرِ وَهُوَ الْعَبْدُ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ قَادِرًا فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ يُكْتَبُ لَهُ ثَوَابُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ الْقُرْبَةِ.
وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَالنَّصُّ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الِاسْتِسْعَاءَ عِنْدَهُمَا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِي صُورَةِ الْإِعْسَارِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ ضَمَانُ إتْلَافٍ وَهُوَ بَعِيدٌ عَنْ التَّوْجِيهِ، إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّ عِتْقَ مَا يَمْلِكُهُ مَشْرُوعٌ وَعِبَادَةٌ، وَالْإِتْلَافُ وَقَعَ بِاتِّفَاقِ الْحَالِ وَهُوَ لَا يُوجِبُ ضَمَانًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ جِنَايَةً عَلَى الْغَيْرِ وَإِنْ فَسَدَتْ مَالِيَّةُ بَاقِي الْعَبْدِ، كَمَنْ هَدَمَ جِدَارَهُ فَانْهَدَمَ جِدَارُ غَيْرِهِ. فَالْحَقُّ أَنَّ الْقِيَاسَ لَيْسَ إلَّا الِاسْتِسْعَاءُ وَالنَّصُّ خَصَّصَهُ.
وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ أَنَّ السَّاكِتَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ وَلَا سِعَايَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute