للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَتَعَيَّنَ الْآخَرُ وَهُوَ السِّعَايَةُ، وَالْوَلَاءُ لَهُمَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَقُولُ عَتَقَ نَصِيبُ صَاحِبِي عَلَيْهِ بِإِعْتَاقِهِ وَوَلَاؤُهُ لَهُ، وَعَتَقَ نَصِيبِي بِالسِّعَايَةِ وَوَلَاؤُهُ لِي.

(وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: إنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ فَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَبْرَأُ عَنْ سِعَايَتِهِ بِدَعْوَى الْعَتَاقِ عَلَى صَاحِبِهِ لِأَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ يَمْنَعُ السِّعَايَةَ عِنْدَهُمَا، إلَّا أَنَّ الدَّعْوَى لَمْ تَثْبُتْ لِإِنْكَارِ الْآخَرِ وَالْبَرَاءَةُ عَنْ السِّعَايَةِ قَدْ ثَبَتَتْ لِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ (وَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ سَعَى لَهُمَا) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي السِّعَايَةَ عَلَيْهِ صَادِقًا كَانَ أَوْ كَاذِبًا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ إذْ الْمُعْتِقُ مُعْسِرٌ (وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا سَعَى لِلْمُوسِرِ مِنْهُمَا) لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي الضَّمَانَ عَلَى صَاحِبِهِ لِإِعْسَارِهِ، وَإِنَّمَا يَدَّعِي عَلَيْهِ السِّعَايَةَ فَلَا يَتَبَرَّأُ عَنْهُ (وَلَا يَسْعَى لِلْمُعْسِرِ مِنْهُمَا) لِأَنَّهُ يَدَّعِي الضَّمَانَ عَلَى صَاحِبِهِ لِيَسَارِهِ فَيَكُونُ مُبَرِّئًا لِلْعَبْدِ عَنْ السِّعَايَةِ، وَالْوَلَاءُ مَوْقُوفٌ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُحِيلُهُ عَلَى

نَافِذَةً عَلَيْهِ لِأَنَّهُ فَرْدٌ وَيَشْهَدُ لِنَفْسِهِ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الشُّرَكَاءُ ثَلَاثَةً فَشَهِدَ كُلُّ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ عَلَى الْآخَرِ أَنَّهُ أَعْتَقَ لَمْ تُقْبَلْ لِلْمَعْنَى الثَّانِي فَإِنَّهُمَا يُثْبِتَانِ لِأَنْفُسِهِمَا حَقَّ التَّضْمِينِ أَوْ يَشْهَدَانِ لِعَبْدِهِمَا، وَإِنَّمَا أَثْبَتْنَا مَا أَثْبَتْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ بِاعْتِرَافِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى نَفْسِهِ بِحُرْمَةِ اسْتِرْقَاقِهِ ضِمْنًا لِلشَّهَادَةِ (فَتَعَيَّنَ السِّعَايَةُ) وَهُوَ عَبْدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يُؤَدِّيَ لِأَنَّ الْمُسْتَسْعَى كَالْمُكَاتَبِ.

وَأَوْرَدَ أَنَّ التَّضْمِينَ غَيْرُ مُتَعَذَّرٍ لِأَنَّهُ لَمَّا أَنْكَرَ يَحْلِفُ، فَإِنْ نَكَلَ جَازَ التَّضْمِينُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ اعْتِقَادُ كُلٍّ أَنَّ صَاحِبَهُ هُوَ الَّذِي أَعْتَقَهُ يَحْلِفُ وَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّحْلِيفِ لِأَنَّ الْمَآلَ إلَى السِّعَايَةِ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنْ لَا تَحْلِيفَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَحِينَئِذٍ لَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ كَاذِبًا كَانَ أَوْ صَادِقًا، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَحْكُمَ بِصِدْقِ كُلٍّ مِنْهُمَا.

وَقَالَ شَارِحٌ: هَذَا كُلُّهُ أَيْ تَعَيُّنُ اسْتِسْعَائِهِمَا الْعَبْدَ إلَخْ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ لِأَنَّ كُلًّا يَدَّعِي عَلَى الْآخَرِ الضَّمَانَ وَالضَّمَانُ مِمَّا يَصِحُّ بِهِ فَيُسْتَحْلَفُ عَلَيْهِ وَهُوَ أَوْجَهُ، فَيَجِبُ فِي الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ لُزُومُ اسْتِسْعَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْعَبْدِ أَنَّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَتَرَافَعَا إلَى قَاضٍ بَلْ خَاطَبَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ بِأَنَّك أَعْتَقْت نَصِيبَك وَهُوَ يُنْكِرُ فَإِنَّ هَذِهِ لَيْسَ حُكْمُهَا إلَّا الِاسْتِسْعَاءَ، أَمًّا لَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا التَّضْمِينَ أَوْ أَرَادَاهُ وَنَصِيبُهُمَا مُتَفَاوِتٌ فَتَرَافَعَا أَوْ رَفَعَهُمَا ذُو حِسْبَةٍ فِيمَا لَوْ اسْتَرَقَّاهُ بَعْدَ قَوْلِهِمَا فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَوْ سَأَلَهُمَا فَأَجَابَا بِالْإِنْكَارِ فَحَلَفَا لَا يَسْتَرِقُّ لِأَنَّ كُلًّا يَقُولُ: إنَّ صَاحِبَهُ حَلَفَ كَاذِبًا وَاعْتِقَادُهُ أَنَّ الْعَبْدَ يَحْرُمُ اسْتِرْقَاقُهُ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا اسْتِسْعَاؤُهُ، وَلَوْ اعْتَرَفَا أَنَّهُمَا عَتَقَا مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ وَجَبَ أَنْ لَا يَضْمَنَ كُلٌّ الْآخَرَ إنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ، وَلَا يُسْتَسْعَى الْعَبْدُ لِأَنَّهُ عَتَقَ كُلُّهُ مِنْ جِهَتِهِمَا، وَلَوْ اعْتَرَفَ أَحَدُهُمَا وَأَنْكَرَ الْآخَرُ فَإِنَّ الْمُنْكِرَ يَجِبُ أَنْ يَحْلِفَ لِأَنَّ فِيهِ فَائِدَةً، فَإِنَّهُ إنْ نَكَلَ صَارَ مُعْتَرِفًا أَوْ بَاذِلًا فَصَارَا مُعْتَرِفَيْنِ فَلَا تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ سِعَايَةٌ كَمَا قُلْنَا.

(قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ فَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ) لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا (لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتَبَرَّأُ عَنْ سِعَايَتِهِ) وَإِنَّمَا يَدَّعِي الضَّمَانَ عَلَى صَاحِبِهِ (لِأَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ يَمْنَعُ السِّعَايَةَ عِنْدَهُمَا إلَّا أَنَّ الدَّعْوَى لَمْ تَثْبُتْ عَلَيْهِ لِإِنْكَارِهِ وَالْبَرَاءَةُ مِنْ السِّعَايَةِ قَدْ ثَبَتَتْ لِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ) بِثُبُوتِ سَبَبِهَا حَيْثُ أَقَرَّ بِعِتْقِ الشَّرِيكِ مَعَ يَسَارِهِ (وَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ سَعَى لَهُمَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي السِّعَايَةَ عَلَيْهِ صَادِقًا كَانَ أَوْ كَاذِبًا) لِفَرْضِ أَنَّ الْمُعْتِقَ مُعْسِرٌ.

وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ) أَيْ مِنْ أَنَّ الْعَبْدَ مَمْلُوكُهُ أَوْ مُكَاتَبُهُ إلَّا أَنَّ عِنْدَهُمَا لَا يَكُونُ مُكَاتَبًا بَلْ حُرٌّ مَدْيُونٌ (وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا سَعَى لِلْمُوسِرِ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي الضَّمَانَ عَلَى صَاحِبِهِ لِإِعْسَارِهِ وَإِنَّمَا يَدَّعِي السِّعَايَةَ عَلَيْهِ فَلَا يَتَبَرَّأُ عَنْهُ، وَلَا يَسْعَى لِلْمُعْسِرِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الضَّمَانَ عَلَى صَاحِبِهِ لِيَسَارِهِ فَيَكُونُ مُبَرِّئًا لِلْعَبْدِ مِنْ السِّعَايَةِ، وَالْوَلَاءُ مَوْقُوفٌ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُحِيلُهُ)

<<  <  ج: ص:  >  >>