غَيْرَ أَنَّ قِيمَتَهَا ثُلُثُ قِيمَتِهَا قِنَّةً عَلَى مَا قَالُوا لِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ الْبَيْعِ وَالسِّعَايَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ، بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ لِأَنَّ الْفَائِتَ مَنْفَعَةُ الْبَيْعِ، أَمَّا السِّعَايَةُ وَالِاسْتِخْدَامُ بَاقِيَانِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ﵀ أَنَّ التَّقَوُّمَ بِالْإِحْرَازِ وَهِيَ مُحْرَزَةٌ لِلنَّسَبِ لَا لِلتَّقَوُّمِ وَالْإِحْرَازُ لِلتَّقَوُّمِ تَابِعٌ، وَلِهَذَا لَا تَسْعَى لِغَرِيمٍ وَلَا لِوَارِثٍ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ،
الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ لِثُبُوتِهِمَا فِيهِ.
(قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّ قِيمَتَهَا ثُلُثُ قِيمَتِهَا قِنَّةً عَلَى مَا قَالُوا لِفَوَاتِ) مَنْفَعَتَيْنِ (مَنْفَعَةُ الْبَيْعِ وَالسِّعَايَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ) وَالْبَاقِي مَنْفَعَةٌ مِنْ ثَلَاثٍ فَحِصَّتُهَا ثُلُثُ الْقِيمَةِ (بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ فَإِنَّ الْفَائِتَ مَنْفَعَةُ الْبَيْعِ) فَقَطْ لِأَنَّهُ يَسْعَى بَعْدَ الْمَوْتِ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَيُسْتَخْدَمُ فَكَانَتْ قِيمَتُهُ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ قِنًّا. وَقَوْلُهُ عَلَى مَا قَالُوا يُفِيدُ الْخِلَافَ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ فِي الْمَسْأَلَةِ عَبْدٌ بَيْنَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ دَبَّرَهُ أَحَدُهُمْ وَأَعْتَقَهُ الْآخَرُ وَسَكَتَ الْآخَرُ (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ) الْحَاصِلُ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ اللَّوَازِمِ إنَّمَا هِيَ لَوَازِمُ الْمِلْكِ بَعْضُهَا أَعَمُّ مِنْهُ يَثْبُتُ مَعَ غَيْرِهِ كَالْوَطْءِ وَالِاسْتِخْدَامِ وَالْإِجَارَةِ، فَإِنَّ الْوَطْءَ يَثْبُتُ وَلَا مِلْكَ لَهُ فِي الْمَنْكُوحَةِ وَالِاسْتِخْدَامُ وَالْإِجَارَةُ تَثْبُتُ بِالْإِجَارَةِ وَاللَّازِمُ الْخَاصُّ هُوَ مِلْكُ الْكَسْبِ، وَلَا كَلَامَ فِي مِلْكِ الرَّقَبَةِ إنَّمَا الْكَلَامُ فِي التَّقَوُّمِ وَالْمَالِيَّةِ، وَالتَّقَوُّمُ يَثْبُتُ بِالْإِحْرَازِ عَلَى قَصْدِ التَّمَوُّلِ حَتَّى لَا يَكُونَ الْعَبْدُ قَبْلَ الْإِحْرَازِ مَالًا مُتَقَوِّمًا لَا بِالْمِلْكِ وَإِنْ ثَبَتَ مَعَهُ، وَالْآدَمِيُّ وَإِنْ صَارَ مَالًا مُتَقَوِّمًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَصْلِ مَالًا لِأَنَّهُ خُلِقَ لَأَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلْمَالِ وَلَكِنَّ ذَلِكَ إذَا أُحْرِزَ لِلتَّمَوُّلِ، وَأُمُّ الْوَلَدِ إذَا أَحْرَزَهَا وَاسْتَوْلَدَهَا كَانَ إحْرَازُهُ لَهَا لِلنَّسَبِ لَا لِلتَّمَوُّلِ، وَإِنْ كَانَ أَوَّلَ تَمَلُّكِهَا كَانَ لِلتَّمَوُّلِ، لَكِنْ عِنْدَمَا اسْتَوْلَدَهَا تُحَوَّلُ صِفَتُهَا عَنْ الْمَالِيَّةِ إلَى مِلْكٍ مُجَرَّدٍ عَنْهَا فَصَارَتْ مُحْرِزَةً لِمَا ذَكَرْنَاهُ.
وَهَذِهِ الْمُقَدَّمَةُ تَقْبَلُ الْمَنْعَ: أَعْنِي انْتِفَاءَ صِفَةِ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ بِالْإِحْرَازِ لِلنَّسَبِ بِأَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ الْمُلَازَمَةَ بَيْنَ الْإِحْرَازِ لِلنَّسَبِ وَانْتِفَاءِ التَّقَوُّمِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يُنَافِهِ لَكِنَّهُ تَابِعٌ فَصَارَ الْإِحْرَازُ فِي حَقِّ التَّقَوُّمِ كَالْمُنْتَفِي، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ثُبُوتُ لَوَازِمِ الِانْتِفَاءِ شَرْعًا وَهُوَ عَدَمُ سِعَايَتِهَا لِغَرِيمٍ أَوْ وَارِثٍ وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ لَا مَالَ لَهُ سِوَاهَا وَعَلَيْهِ دُيُونٌ، وَإِنَّ مَا كَانَ مَالًا مُتَقَوِّمًا فِي حَيَاتِهِ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ وَرَثَتِهِ وَغُرَمَائِهِ وَلَوْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، كَالْمُدَبَّرِ لَمَّا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ خَرَجَ وَالتَّرِكَةُ مُسْتَغْرَقَةٌ تَعَلَّقَ بِهِ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ حَالَةَ الْحَيَاةِ مَالًا غَيْرَ أَنَّهُ مُوصًى بِهِ وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ اعْتِبَارُ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا بَطَلَتْ فَسَعَى فِي قِيمَتِهِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُدَبَّرِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ وَأُمِّ الْوَلَدِ، وَحَيْثُ ثَبَتَ التَّقَوُّمُ فِي الْمُدَبَّرِ وَرُدَّ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ مُتَقَوِّمًا جَازَ بَيْعُهُ، فَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ عَدَمَ جَوَازِ بَيْعِهِ لِتَحَقُّقِ مَقْصُودِ الْمُدَبِّرِ مِنْ نَيْلِهِ ثَوَابَ عِتْقِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ.
وَالْجَوَابُ عَنْ إلْزَامِ التَّقَوُّمِ بِأُمِّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ بِمَنْعِ تَقَوُّمِهَا، وَإِلْزَامِ السِّعَايَةِ فِيهَا لَيْسَ لِذَلِكَ بَلْ لِلضَّرُورَةِ إذْ لَا يُمْكِنُ بَقَاؤُهَا مُسْلِمَةً مَمْلُوكَةً لَهُ وَلَا إخْرَاجُهَا عَنْ مِلْكِهِ مَجَّانًا وَهُوَ مِلْكٌ صَحِيحٌ فَأُنْزِلَتْ مُكَاتَبَةً عَلَيْهِ عَلَى قِيمَتِهَا. وَنَقُولُ: لَا يَفْتَقِرُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ إلَى التَّقَوُّمِ لِأَنَّهُ فِي أَصْلِهِ بِمُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمُتَقَوِّمِ وَهُوَ فَكُّ الْحَجْرِ وَلَوْ سُلِّمَ، فَالْأُمُورُ الضَّرُورِيَّةُ لَا يُقَاسُ عَلَيْهَا مَا لَيْسَ فِي مَحَلِّهَا مِنْ تِلْكَ الضَّرُورَةِ، أَوْ نَقُولُ: هُوَ يَعْتَقِدُ الْمَالِيَّةَ فِيهَا وَجَوَازَ بَيْعِهَا، وَالْحُكْمُ الْمُتَعَلِّقُ بِهِمْ يُبْتَنَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute