وَهَذَا لِأَنَّ السَّبَبَ فِيهَا مُتَحَقِّقٌ فِي الْحَالِ وَهُوَ الْجُزْئِيَّةُ الثَّابِتَةُ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُظْهِرْ عَمَلُهُ فِي حَقِّ الْمِلْكِ ضَرُورَةَ الِانْتِفَاعِ فَعَمِلَ السَّبَبُ فِي إسْقَاطِ التَّقَوُّمِ، وَفِي الْمُدَبَّرِ يَنْعَقِدُ السَّبَبُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَامْتِنَاعُ الْبَيْعِ فِيهِ لِتَحْقِيقِ مَقْصُودِهِ فَافْتَرَقَا. وَفِي أُمِّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ قَضَيْنَا بِتَكَاتُبِهَا عَلَيْهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْجَانِبَيْنِ، وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ لَا يَفْتَقِرُ وُجُوبُهُ إلَى التَّقَوُّمِ.
عَلَى اعْتِقَادِهِمْ كَمَا فِي مَالِيَّةِ الْخَمْرِ، أَوْ أَنَّ مِلْكَهُ لَمَّا احْتَبَسَ عِنْدَهَا لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهَا كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَقَوِّمًا، كَالْقِصَاصِ إذَا احْتَبَسَ نَصِيبَ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ عِنْدَ الْقَاتِلِ بِعَفْوِ الْآخَرِ يَلْزَمُهُ بَدَلُهُ. وَبِهَذَا تَمَّ الْوَجْهُ لِأَبِي حَنِيفَةَ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ (وَهَذَا لِأَنَّ السَّبَبَ فِيهَا) أَيْ فِي أُمِّ الْوَلَدِ (مُتَحَقِّقٌ فِي الْحَالِ وَهُوَ الْجُزْئِيَّةُ الثَّابِتَةُ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ) فَغَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَيْهِ الْإِثْبَاتُ، إذْ قَدْ ثَبَتَ شَرْعًا بِمَا ذَكَرْنَا عَدَمُ تَقَوُّمِهَا، وَإِنَّمَا هُوَ بَيَانُ حِكْمَةٍ شَرْعِيَّةٍ. عَدَمُ تَقَوُّمِهَا: يَعْنِي أَنَّ حِكْمَةَ إسْقَاطِ الشَّرْعِ تَقَوُّمَهَا ثُبُوتُ الْجُزْئِيَّةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَوْلَاهَا الْحُرِّ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ فِي الْمُصَاهَرَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ عُمَرُ حَيْثُ قَالَ: كَيْفَ تَبِيعُوهُنَّ وَقَدْ اخْتَلَطَتْ لُحُومُهُنَّ بِلُحُومِكُمْ وَدِمَاؤُهُنَّ بِدِمَائِكُمْ؟ فَلِثُبُوتِ ذَلِكَ ثَبَتَ عَدَمُ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ، وَكَانَ مُقْتَضَاهُ أَنْ تُنَجَّزَ حُرِّيَّتُهَا لَكِنْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِهِ فَبَقِيَ فِيمَا سِوَاهُ وَهُوَ عَدَمُ التَّقَوُّمِ لِعَدَمِ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ، وَكَذَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ التَّقَوُّمِ قَوْلُهُ ﵊ «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» بِهَذَا الطَّرِيقِ، وَهُوَ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى تَنَجُّزِ الْعِتْقِ، لَكِنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَثْبَتَ لَهَا الْوَلَدُ حَقَّ الْحُرِّيَّةِ فَبَقِيَ فِيمَا سِوَى حَقِيقَةِ الْعِتْقِ مَعْمُولًا بِهِ وَمِنْهُ سُقُوطُ التَّقَوُّمِ. فَإِنْ قِيلَ: فَالتَّدْبِيرُ أَيْضًا كَذَلِكَ: أَيْ سَبَبٌ فِي الْحَالِ لِلْعِتْقِ لِمَا ذَكَرَ فِي بَابِهِ فَيَجِبُ أَنْ يَنْتَفِيَ تَقَوُّمُ الْمُدَبَّرِ عَلَى وَزْنِ انْتِفَائِهِ بِسَبَبِ أُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ ثُبُوتَ سَبَبِيَّةِ التَّدْبِيرِ فِي الْحَالِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِي سَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ لِضَرُورَةٍ هِيَ أَنَّ تَأْخِيرَهُ كَغَيْرِهِ مِنْ التَّعْلِيقَاتِ يُوجِبُ بُطْلَانَهُ، لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ زَمَانُ زَوَالِ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ فَلَا يَتَأَخَّرُ سَبَبِيَّةُ كَلَامِهِ إلَيْهِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ فَيَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي حُرْمَةِ الْبَيْعِ خَاصَّةً لَا فِي سُقُوطِ التَّقَوُّمِ بَلْ يَبْقَى فِي حَقِّ سُقُوطِ التَّقَوُّمِ عَلَى الْأَصْلِ: يَعْنِي فَتَتَأَخَّرُ سَبَبِيَّتُهُ لِسُقُوطِ التَّقَوُّمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute