. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الْمَوْلَى بِالْبَيَانِ، وَلِلْعَبِيدِ مُخَاصَمَتُهُ فِي ذَلِكَ، فَإِذَا بَيَّنَ الْعِتْقَ فِي الثَّابِتِ وَهُوَ الْعَبْدُ الَّذِي لَمْ يَخْرُجْ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ عَتَقَ وَبَطَلَ الْكَلَامُ الثَّانِي لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَقَالَ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ إنْشَاءً فِي الْمُبْهَمِ الدَّائِرِ بَيْنَهُمَا، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَحَلًّا لِحُكْمِهِ، وَالْحُرُّ لَيْسَ كَذَلِكَ فَبَطَلَ إنْشَائِيَّتُهُ وَصَارَ خَبَرًا بِأَنَّ أَحَدَهُمَا حُرٌّ وَهُوَ الثَّابِتُ، فَلَا يُفِيدُ فِي الْخَارِجِ
عِتْقًا. فَإِنْ قِيلَ: الْبَيَانُ لَهُ حُكْمُ الْإِنْشَاءِ لِأَنَّهُ فِي الْمُعَيَّنِ وَالْعِتْقُ الْمُبْهَمُ لَا يَنْزِلُ فِي الْمُعَيَّنِ فَصَارَ بِبَيَانِهِ فِي الثَّابِتِ كَأَنَّهُ إنْشَاءٌ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِيهِ بَعْدَمَا أَعْتَقَ الْأَحَدَ الدَّائِرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَارِجِ بِالْكَلَامِ الثَّانِي وَلَوْ نَجَّزَ عِتْقَ الثَّابِتِ بِعِتْقٍ مُسْتَقِلٍّ عَتَقَ الْخَارِجُ فَكَذَا يَعْتِقُ بِالْبَيَانِ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْبَيَانَ إنْشَاءٌ مِنْ وَجْهٍ لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّ وُقُوعَ الْعِتْقِ الْأَوَّلِ فِي الْمُعَيَّنِ بِهِ لَا يَكُونُ بِالْعِتْقِ الْأَوَّلِ فَقَطْ لِأَنَّهُ عِتْقُ مُبْهَمٍ وَهُوَ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ يَكُونُ إنْشَاءً، وَمِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَوْلَى يُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ إذَا خَاصَمَهُ الْعَبْدَانِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى إنْشَاءِ الْعِتْقِ يَكُونُ إظْهَارًا، فَعَلَى تَقْدِيرِ الْإِنْشَاءِ يَعْتِقُ الدَّاخِلُ، وَعَلَى تَقْدِيرِ الْإِخْبَارِ لَا يَعْتِقُ فَلَا يَعْتِقُ بِالشَّكِّ، وَإِنْ بَيَّنَ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ عِتْقَ الْخَارِجِ فَلَا إشْكَالَ وَيُؤْمَرُ بِبَيَانِ الْكَلَامِ الثَّانِي وَيُعْمَلُ بِبَيَانِهِ، وَإِنْ بَدَأَ بِبَيَانِ الْكَلَامِ الثَّانِي فَقَالَ عَنَيْت بِالْكَلَامِ الثَّانِي الدَّاخِلَ عَتَقَ وَيُؤْمَرُ بِبَيَانِ الْأَوَّلِ فَأَيَّهمَا بَيَّنَهُ مِنْ الْخَارِجِ وَالثَّابِتِ عُمِلَ بِهِ.
وَإِنْ قَالَ: عَنَيْت بِالْكَلَامِ الثَّانِي الثَّابِتَ عَتَقَ وَتَعَيَّنَ عِتْقُ الْخَارِجِ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ، وَلَا يَبْطُلُ لِأَنَّ حَالَ وُجُودِهِ كَانَا رَقِيقَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْمَوْلَى شَيْئًا حَتَّى مَاتَ أَحَدُ الْعَبِيدِ فَالْمَوْتُ بَيَانٌ أَيْضًا، فَإِنْ مَاتَ الْخَارِجُ تَعَيَّنَ الثَّابِتُ لِلْعِتْقِ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ وَالْخَارِجُ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ لِزَوَالِ الْمُزَاحِمِ وَبَطَلَ الْإِيجَابُ الثَّانِي لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ مَاتَ الثَّابِتُ تَعَيَّنَ الْخَارِجُ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ وَالدَّاخِلُ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي لِأَنَّ الثَّابِتَ هُوَ الْمُزَاحِمُ لَهُمَا وَلَمْ يَبْقَ، وَإِنْ مَاتَ الدَّاخِلُ أُمِرَ بِبَيَانِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ عَنَى بِهِ الْخَارِجَ عَتَقَ الثَّابِتُ أَيْضًا بِالْإِيجَابِ الثَّانِي، وَإِنْ عَنَى بِهِ الثَّابِتَ بَطَلَ الْإِيجَابُ الثَّانِي لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ الْبَيَانِ فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ، وَاتَّفَقُوا فِيهَا عَلَى عِتْقِ نِصْفِ الْخَارِجِ وَثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الثَّابِتِ.
وَاخْتُلِفَ فِي الدَّاخِلِ، وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَعْتِقُ نِصْفُهُ أَيْضًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَعْتِقُ رُبُعُهُ. وَاسْتَشْكَلَ قَوْلُهُمَا بِعِتْقِ النِّصْفِ وَثَلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ مَعَ قَوْلِهِمَا يُعْدَمُ تَجَزِّي الْإِعْتَاقِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُمَا بِعَدَمِ تَجَزِّيهِ إذَا وَقَعَ فِي مَحَلٍّ مَعْلُومٍ، أَمَّا إذَا كَانَ الْحَالُ إنَّمَا هُوَ الْحُكْمُ بِثُبُوتِهِ بِالضَّرُورَةِ وَهِيَ مُقْتَضِيَةٌ لِانْقِسَامِهِ انْقَسَمَ ضَرُورَةً. وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَدَمَ التَّجَزِّي عِنْدَ الْإِمْكَانِ وَالِانْقِسَامُ هُنَا ضَرُورِيٌّ. وَرَدَّهُ بَعْضُ الطَّلَبَةِ بِمَنْعِ ضَرُورَةِ الِانْقِسَامِ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ أَنَّ كُلَّ مَنْ عَتَقَ مِنْهُ الْبَعْضُ الَّذِي ذُكِرَ لَا يُقَرُّ فِي الرِّقِّ بَلْ يَسْعَى فِي بَاقِيهِ حَتَّى يَخْلُصَ كُلُّهُ حُرًّا، فَيُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ: يَعْتِقُ جَمِيعُ كُلِّ وَاحِدٍ عِنْدَهُمَا وَيَسْعَى فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ فَيَتَّحِدُ الْحَاصِلُ عَلَى قَوْلِهِمَا وَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، غَيْرَ أَنَّهُمْ يَسْعَوْنَ وَهُمْ عَبِيدٌ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَسْعَوْنَ وَهُمْ أَحْرَارٌ، إذْ الْحَاصِلُ أَنَّ الضَّرُورَةَ أَوْجَبَتْ أَنْ لَا يَعْتِقَ جَمِيعُ وَاحِدٍ مَجَّانًا لَا أَنْ يَعْتِقَ بَعْضٌ فَقَطْ ثُمَّ يَتَأَخَّرُ عِتْقُ الْبَاقِي إلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute