. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي وَجْهِ الِاتِّفَاقِيَّةِ لَيْسَ عَلَى الِاتِّفَاقِ لِأَنَّ عِتْقَ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الثَّابِتِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَيْسَ لِذَلِكَ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُصِبْهُ النِّصْفُ أَصْلًا بَلْ أَصَابَهُ الرُّبُعُ ابْتِدَاءً بِمَا ذُكِرَ مِنْ الْوَجْهَيْنِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ يُرِيدُ الْخَارِجَ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ مَعْنَاهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُبَيِّنَ الْمَيِّتُ الْعِتْقَ فِيهِ لَوْ بَيَّنَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ وَإِلَّا فَالْعِتْقُ الْمُبْهَمُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْمُعَيَّنَ حَالَ صُدُورِهِ بَلْ الْمُبْهَمَ، ثُمَّ بِالتَّعْيِينِ يَنْزِلُ ذَلِكَ الْمُبْهَمُ فِيهِ.
وَلِلشَّافِعِيِّ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ: فِي قَوْلٍ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ وَفِي الْأَصَحِّ يَقُومُ الْوَارِثُ مَقَامَ الْمَوْلَى فِي الْبَيَانِ.
وَعِنْدَ أَحْمَدَ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ وَكَذَا إذَا قَالَ لِعَبْدَيْهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ بِاسْمِهِ فَهُوَ حُرٌّ وَلَا يَصِحُّ بَيَانُهُ إلَّا أَنْ يَقُولَ: كُنْت نَوَيْته عِنْدَ التَّلَفُّظِ. لَنَا فِي تَأْصِيلِ اعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ ﵊ بَعَثَ سَرِيَّةً إلَى خَثْعَمَ لِلْقِتَالِ فَاعْتَصَمَ نَاسٌ مِنْهُمْ بِالسُّجُودِ فَقَتَلَهُمْ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ، فَقَضَى النَّبِيُّ ﷺ بِنِصْفِ الْعَقْلِ» وَلَيْسَ هَذَا إلَّا لِاعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ لِأَنَّ السُّجُودَ جَازَ كَوْنُهُ لِلَّهِ فَيَكُونُ إسْلَامًا فَيَجِبُ كَمَالُ الْعَقْلِ، وَجَازَ كَوْنُهُ تَعْظِيمًا لِلظَّاهِرِينَ عَلَيْهِمْ تَقِيَّةً مِنْ الْقَتْلِ كَمَا يَفْعَلُونَهُ فَكَانَ مُوجِبًا لِكَمَالِهِ فِي اعْتِبَارٍ غَيْرَ مُوجِبٍ فِي اعْتِبَارٍ فَقَضَى بِالنِّصْفِ.
وَجْهُ اعْتِبَارِ الْقُرْعَةِ حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ، فَدَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَجَزَّأَهُمْ أَثْلَاثًا ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ، وَهَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ لَكِنَّهُمْ لَمْ يَقْبَلُوهُ لِانْقِطَاعِهِ بَاطِنًا، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مَا صَحَّ سَنَدُهُ جَازَ أَنْ يُضَعَّفَ بِعِلَّةٍ قَادِحَةٍ. وَمِنْ الْعِلَلِ مُخَالَفَةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ، وَكَذَا مُخَالَفَةُ الْعَادَةِ الْقَاضِيَةِ بِخِلَافِهِ، قَالُوا: هَذَا يُخَالِفُ نَصَّ الْقُرْآنِ بِتَحْرِيمِ الْمَيْسِرِ، فَإِنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ تَعْلِيقُ الْمِلْكِ أَوْ الِاسْتِحْقَاقِ بِالْخَطَرِ، وَالْقُرْعَةُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ لِأَنَّهَا تُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ الْعِتْقِ إنْ ظَهَرَ كَذَا لَا إنْ ظَهَرَ كَذَا، وَأَمَّا قَضَاءُ الْعَادَةِ بِخِلَافِهِ فَإِنَّهَا قَاضِيَةٌ بِنَفْيِ أَنَّ وَاحِدًا يَمْلِكُ سِتَّةَ أَعْبُدٍ وَلَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمْ مِنْ دِرْهَمٍ وَلَا ثَوْبٍ وَلَا نُحَاسٍ وَلَا دَابَّةٍ وَلَا قَمْحٍ وَلَا دَارٍ يَسْكُنُهَا، وَلَا شَيْءٍ قَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ.
وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ قَدْ يَتَّفِقُ لِلْعَرَبِ ذَلِكَ لِيَأْخُذُوا غَلَّتَهُمْ أَوْ يَكُونُ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ فِي غَنِيمَةٍ إنْ كَانَ مَعَ الْفَرْضِ الَّذِي فَرَضْنَاهُ مِنْ عَدَمِ شَيْءٍ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ فَهُوَ أَيْضًا مِمَّا تَقْضِي الْعَادَةُ بِنَفْيِهِ لِأَنَّهُ أَنْدَرُ نَادِرٍ فَكَانَ مُسْتَحِيلًا فِي الْعَادَةِ وَالْعُرْفِ فَوَجَبَ رَدُّ الرِّوَايَةِ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ الْبَاطِنَةِ، كَمَا قَالُوا فِي الْمُتَفَرِّدِ بِزِيَادَةٍ مِنْ بَيْنِ جَمَاعَةٍ لَا يَغْفُلُ مِثْلُهُمْ عَنْ مِثْلِهَا مَعَ اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِغَلَطِهِ وَصَارَ هَذَا مِنْ جِنْسِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى.
وَأَمَّا مَا قِيلَ: إنَّهَا وَاقِعَةُ حَالٍ فَلَا تَعُمُّ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ وَإِنْ لَمْ يَعُمَّ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى طَرِيقٍ صَحِيحٍ، وَإِذَا كَانَ طَرِيقًا صَحِيحًا جَازَ ارْتِكَابُهُ وَتَقَرَّرَ الْحُكْمُ بِهِ، وَإِلَّا فَمِثْلُهُ يَلْزَمُ فِيمَا اسْتَدْلَلْتُمْ بِهِ لِاعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ مِنْ قِصَّةِ الْخَثْعَمِيِّينَ بِلَا فَرْقٍ، وَكَذَا نَحْوُهُ مِنْ أَوْجُهٍ ضَعِيفَةٍ، وَحَقِيقَةُ الْوَجْهِ لَيْسَ إلَّا دَلَالَةَ الْعَادَةِ، وَالْكِتَابُ عَلَى نَفْيِ مُقْتَضَاهُ فَيُحْكَمُ بِغَلَطِهِ مِنْ بَعْضِ رُوَاتِهِ عَنْ عِمْرَانَ، وَلِذَلِكَ أُجْمِعَ عَلَى عَدَمِ الْإِقْرَاعِ عِنْدَ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ لِلْعَمَلِ بِأَحَدِهِمَا، وَعَلَى عَدَمِهَا أَيْضًا عِنْدَ تَعَارُضِ الْخَبَرَيْنِ، وَنَحْنُ لَا نَنْفِي شَرْعِيَّةَ الْقُرْعَةِ فِي الْجُمْلَةِ بَلْ نُثْبِتُهَا شَرْعًا لِتَطْيِيبِ الْقُلُوبِ وَدَفْعِ الْأَحْقَادِ وَالضَّغَائِنِ كَمَا فَعَلَ ﵊ لِلسَّفَرِ بِنِسَائِهِ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ سَفَرُهُ بِكُلِّ مَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ جَائِزًا إلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا يَتَسَارَعُ الضَّغَائِنُ إلَى مَنْ يَخُصُّهَا مِنْ بَيْنِهِنَّ فَكَانَ الْإِقْرَاعُ لِتَطْيِيبِ قُلُوبِهِنَّ، وَكَذَا إقْرَاعُ الْقَاضِي فِي الْأَنْصِبَاءِ الْمُسْتَحَقَّةِ وَالْبِدَايَةِ بِتَحْلِيفِ أَحَدِ الْمُتَحَالِفَيْنِ إنَّمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute