للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هُوَ يَقُولُ إنَّ التَّخْفِيفَ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ لِعَدَمِ الْمُخَالَطَةِ فَلَا يُخَفَّفُ.

وَلَهُمَا أَنَّهَا تَذَرَّقَ مِنْ الْهَوَاءِ وَالْتِحَامِي عَنْهُ مُتَعَذِّرٌ فَتَحَقَّقَتْ الضَّرُورَةُ، وَلَوْ وَقَعَ فِي الْإِنَاءِ قِيلَ يُفْسِدُهُ، وَقِيلَ لَا يُفْسِدُهُ لِتَعَذُّرِ صَوْنِ الْأَوَانِي عَنْهُ (وَإِنْ أَصَابَهُ مِنْ دَمِ السَّمَكِ أَوْ لُعَابِ الْبَغْلِ أَوْ الْحِمَارِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرُ الدِّرْهَمِ أَجْزَأَتْ الصَّلَاةُ فِيهِ) أَمَّا دَمُ السَّمَكِ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَمٍ عَلَى التَّحْقِيقِ فَلَا يَكُونُ نَجِسًا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ اعْتَبَرَ فِيهِ الْكَثِيرَ الْفَاحِشَ فَاعْتَبَرَهُ نَجِسًا.

وَأَمَّا لُعَابُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ فَلِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا يَتَنَجَّسُ بِهِ الطَّاهِرُ (فَإِنْ انْتَضَحَ عَلَيْهِ الْبَوْلُ مِثْلَ رُءُوسِ الْإِبَرِ فَذَلِكَ لَيْسَ بِشَيْءٍ) لِأَنَّهُ لَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ.

فِيهِ لَا تُؤَثِّرُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَلَّمَا يَصِلُ إلَى أَنْ يَفْحُشَ فَيَكْفِي تَخْفِيفُهُ (قَوْلُهُ هُوَ يَقُولُ) أَيْ مُحَمَّدٌ (قَوْلُهُ قِيلَ يُفْسِدُهُ وَقِيلَ لَا يُفْسِدُهُ) الْأَوَّلُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ نَجِسٌ خَفِيفٌ أَوْ غَلِيظٌ وَإِمْكَانُ الِاحْتِرَازِ بِتَخْمِيرِهَا إذْ هُوَ مُعْتَادٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ ضَرُورَةٌ بَلْ تَفْرِيطٌ.

بِخِلَافِ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَيُمْكِنُ كَوْنُهُ بِنَاءً عَلَى الطَّهَارَةِ أَوْ عَلَى سُقُوطِ حُكْمِ النَّجَاسَةِ مَعَ قِيَامِهَا لِلضَّرُورَةِ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي شَعْرِ الْخِنْزِيرِ حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ أَفْسَدَهُ مَعَ إطْلَاقِ الِانْتِفَاعِ بِهِ لِلْخَرَّازِينَ لِلضَّرُورَةِ، وَقَدْ تَظْهَرُ أَوْلَوِيَّةُ الْأَوَّلِ لِمَا قُلْنَا.

فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ بَيْنَ خُرْءِ الطُّيُورِ الْمُحَرَّمَةِ وَبَوْلِ الْهِرَّةِ الَّتِي تَعْتَادُ الْبَوْلَ عَلَى النَّاسِ حَيْثُ رُوِيَ عَنْهُ فِيهِ أَنَّهُ طَاهِرٌ؟ فَالْجَوَابُ كَأَنَّهُ بَنَى نَجَاسَةَ الْخُرْءِ عَلَى عَدَمِ الضَّرُورَةِ إذْ قَدْ يُصِيبُ النَّاسَ وَقَدْ لَا يُصِيبُ، بَلْ قَلَّمَا يُشَاهَدُ مُصَابٌ، بِخِلَافِ ذَلِكَ السِّنَّوْرِ فَإِنَّ الضَّرُورَةَ فِيهِ مُتَحَقِّقَةٌ، وَهُمَا بَنَيَا قِيَامَ الضَّرُورَةِ عَلَى عَدَمِ قُدْرَةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ، هَذَا إنْ صَحَّتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ، وَإِلَّا فَفِي التَّجْنِيسِ بَالَ السِّنَّوْرُ فِي الْبِئْرِ نُزِحَ كُلُّهُ لِأَنَّ بَوْلَهُ نَجِسٌ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ، وَلِذَا لَوْ أَصَابَ الثَّوْبَ أَفْسَدَهُ لَكِنْ الْحَقُّ صِحَّتُهَا، وَحَمْلُ الرِّوَايَاتِ عَلَى الرِّوَايَاتِ الطَّاهِرَةِ أَوْ مُطْلَقًا، وَالْمُرَادُ السِّنَّوْرُ الَّذِي لَا يَعْتَادُ الْبَوْلَ عَلَى النَّاسِ، وَإِلَّا فَقَدْ حَكَى هُوَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ التَّجْنِيسِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ فِيمَا إذَا بَالَ عَلَى الثَّوْبِ.

وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا بَالَتْ الْهِرَّةُ فِي الْإِنَاءِ أَوْ عَلَى ثَوْبٍ تَنَجَّسَ وَكَذَا بَوْلُ الْفَأْرَةِ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: يُنَجِّسُ الْإِنَاءَ دُونَ الثَّوْبِ اهـ.

وَهُوَ حَسَنٌ لِعَادَةِ تَخْمِيرِ الْأَوَانِي، هَذَا وَبَوْلُ الْفَأْرَةِ فِي رِوَايَةٍ لَا بَأْسَ بِهِ، وَالْمَشَايِخُ عَلَى أَنَّهُ نَجِسٌ لِخِفَّةِ الضَّرُورَةِ، بِخِلَافِ خُرْئِهَا فَإِنَّ فِيهِ ضَرُورَةً فِي الْحِنْطَةِ فَقَالُوا: إذَا وَقَعَ فِيهَا فَطُحِنَتْ جَازَ أَكْلُ الدَّقِيقِ مَا لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُ الْخُرْءِ فِيهِ طَعْمًا وَنَحْوَهُ.

وَفِي الْإِيضَاحِ: بَوْلُ الْخَفَافِيشِ وَخُرْؤُهَا لَيْسَ بِشَيْءٍ اهـ.

وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانٍ: بَوْلُ الْهِرَّةِ وَالْفَأْرَةِ وَخُرْؤُهُمَا نَجِسٌ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَاتِ يُفْسِدُ الْمَاءَ وَالثَّوْبَ، وَبَوْلُ الْخُفَّاشِ وَخُرْؤُهُ لَا يُفْسِدُ لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ، وَدَمُ الْبَقِّ وَالْبَرَاغِيثِ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَدَمُ الْحَلَمَةِ وَالْأَوْزَاغِ نَجِسٌ (قَوْلُهُ مِثْلُ رُءُوسِ الْإِبَرِ لَيْسَ بِشَيْءٍ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مِثْلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>