قَالَ (وَالنَّجَاسَةُ ضَرْبَانِ: مَرْئِيَّةٌ، وَغَيْرُ مَرْئِيَّةٍ فَمَا كَانَ مِنْهَا مَرْئِيًّا فَطَهَارَتُهُ زَوَالُ عَيْنِهَا) لِأَنَّ النَّجَاسَةَ حَلَّتْ الْمَحَلَّ بِاعْتِبَارِ الْعَيْنِ فَتَزُولُ بِزَوَالِهَا (إلَّا أَنْ يَبْقَى مِنْ أَثَرِهَا مَا تَشُقُّ إزَالَتُهُ) لِأَنَّ الْحَرَجَ مَدْفُوعٌ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْغَسْلُ بَعْدَ زَوَالِ الْعَيْنِ وَإِنْ زَالَ بِالْغَسْلِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَفِيهِ كَلَامٌ (وَمَا لَيْسَ بِمَرْئِيٍّ فَطَهَارَتُهُ أَنْ يُغْسَلَ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّ الْغَاسِلِ أَنَّهُ قَدْ طَهُرَ) لِأَنَّ التَّكْرَارَ لَا بُدَّ مِنْهُ لِلِاسْتِخْرَاجِ، وَلَا يُقْطَعُ بِزَوَالِهِ فَاعْتُبِرَ غَالِبُ الظَّنِّ كَمَا فِي أَمْرِ الْقِبْلَةِ وَإِنَّمَا قَدَّرُوا بِالثَّلَاثِ لِأَنَّ غَالِبَ الظَّنِّ يَحْصُلُ عِنْدَهُ، فَأُقِيمَ السَّبَبُ الظَّاهِرُ مَقَامَهُ تَيْسِيرًا،
رُءُوسِ الْمِسَلَّةِ مُنِعَ.
وَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مِثْلَ الْجَانِبِ الْآخَرِ اُعْتُبِرَ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَشَايِخِ لَا يَعْتَبِرُ الْجَانِبَيْنِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ، وَمَا لَمْ يُعْتَبَرْ إذَا أَصَابَهُ مَاءٌ فَكَثُرَ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ. وَفِي الْمُجْتَبَى فِي نَوَادِرِ الْمُعَلَّى: لَوْ اُنْتُضِحَ وَيَرَى أَثَرَهُ لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ اهـ.
وَقَالُوا: لَوْ أَلْقَى عَذِرَةً أَوْ بَوْلًا فِي مَاءٍ فَانْتُضِحَ عَلَيْهِ مَاءٌ مِنْ وَقْعِهَا لَا يَنْجَسُ مَا لَمْ يَظْهَرْ لَوْنُ النَّجَاسَةِ أَوْ يَعْلَمْ أَنَّهُ الْبَوْلُ، وَمَا تَرَشَّشَ عَلَى الْغَاسِلِ مِنْ غُسَالَةِ الْمَيِّتِ مِمَّا لَا يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ مَا دَامَ فِي عِلَاجِهِ لَا يُنَجِّسُهُ لِعُمُومِ الْبَلْوَى، بِخِلَافِ الْغُسَالَاتِ الثَّلَاثِ إذَا اسْتَنْقَعَتْ فِي مَوْضِعٍ فَأَصَابَتْ شَيْئًا نَجَّسَتْهُ، أَمَّا الْمَاءُ الثَّالِثُ وَحْدَهُ فَعَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ أَوَّلَ الْبَابِ.
(قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَبْقَى مِنْ أَثَرِهَا مَا يَشُقُّ) أَيْ لَوْنُهَا أَوْ رِيحُهَا مَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى اسْتِعْمَالِ غَيْرِ الْمَاءِ كَالصَّابُونِ وَالْأُشْنَانِ، وَعَلَى هَذَا قَالُوا لَوْ صَبَغَ ثَوْبَهُ أَوْ يَدَهُ بِصَبْغٍ أَوْ حِنَّاءَ نَجِسَيْنِ فَغَسَلَ إلَى أَنْ صَفَا الْمَاءُ يَطْهُرُ مَعَ قِيَامِ اللَّوْنِ، وَقِيلَ يَغْسِلُ بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثًا.
وَأَمَّا الطَّهَارَةُ لَوْ غَسَلَ يَدَهُ مِنْ دُهْنٍ نَجِسٍ مَعَ بَقَاءِ أَثَرِهِ فَإِنَّمَا عَلَّلَهُ فِي التَّجْنِيسِ بِأَنَّ الدُّهْنَ يَطْهُرُ، قَالَ: فَبَقِيَ عَلَى يَدِهِ طَاهِرًا، كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الدُّهْنِ يُنَجِّسُ يُجْعَلُ فِي إنَاءٍ ثُمَّ يُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ فَيَعْلُو الدُّهْنُ فَيُرْفَعُ بِشَيْءٍ هَكَذَا يَفْعَلُ ثَلَاثًا فَيَطْهُرُ انْتَهَى.
وَتَطْهِيرُ الْعَسَلِ النَّجِسِ عَلَى قَوْلِهِ أَنْ يَصُبَّ عَلَيْهِ مَاءً فَيَغْلِيَ حَتَّى يَعُودَ إلَى الْقَدْرِ الْأَوَّلِ ثَلَاثًا فَيَطْهُرَ، وَقَدْ يُشْكِلُ عَلَى الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ مَا فِي التَّجْنِيسِ حَبٌّ فِيهِ خَمْرٌ غُسِلَ ثَلَاثًا يَطْهُرُ إذَا لَمْ تَبْقَ فِيهِ رَائِحَةُ الْخَمْرِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِيهِ أَثَرُهَا، فَإِنْ بَقِيَتْ رَائِحَتُهَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ فِيهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ سِوَى الْخَلِّ لِأَنَّهُ بِجَعْلِهِ فِيهِ يَطْهُرُ وَإِنْ لَمْ يُغْسَلْ لِأَنَّ مَا فِيهِ مِنْ الْخَمْرِ يَتَخَلَّلُ بِالْخَلِّ، إلَّا أَنَّ آخِرَ كَلَامِهِ أَفَادَ أَنَّ بَقَاءَ رَائِحَتِهَا فِيهِ بِقِيَامِ بَعْضِ أَجْزَائِهَا، وَعَلَى هَذَا قَدْ يُقَالُ فِي كُلِّ مَا بَقِيَ فِيهِ رَائِحَةٌ كَذَلِكَ وَفِي الْخُلَاصَةِ: الْكُوزُ إذَا كَانَ فِيهِ خَمْرٌ تَطْهِيرُهُ أَنْ يُجْعَلَ فِيهِ الْمَاءُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، كُلُّ مَرَّةٍ سَاعَةٌ، وَإِنْ كَانَ جَدِيدًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَطْهُرُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَطْهُرُ أَبَدًا انْتَهَى مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ بَقَاءِ الرَّائِحَةِ أَوْ لَا، وَالتَّفْصِيلُ أَحْوَطُ (قَوْلُهُ وَفِيهِ كَلَامٌ) أَيْ لِلْمَشَايِخِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُغْسَلُ بَعْدَ زَوَالِ الْعَيْنِ ثَلَاثًا إلْحَاقًا لَهُ بَعْدَهَا بِنَجَاسَةٍ غَيْرِ مَرْئِيَّةٍ وَعَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ مَرَّتَيْنِ كَغَيْرِ مَرْئِيَّةٍ غُسِلَتْ مَرَّةً، وَقِيلَ إذَا ذَهَبَ الْعَيْنُ وَالْأَثَرُ بِمَرَّةٍ لَا يُغْسَلُ، وَهُوَ أَقْيَسُ لِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute