للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ إيجَابِ عِتْقٍ وَوَصِيَّةٍ، وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ.

قَطُّ لَا يَكُونُ إلَّا بِاعْتِبَارَيْنِ وَبِالنَّظَرِ إلَى شَيْئَيْنِ، وَلَوْ أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ: إنَّ لَفْظَهُ أَوْجَبَ تَقْدِيرَ لَفْظٍ إذْ كَانَ وَصِيَّةً وَهُوَ مَا قَدَّرْنَاهُ عِنْدَ مَوْتِهِ مِنْ قَوْلِهِ كُلُّ عَبْدٍ لِي حُرٌّ فَيَعْتِقُ بِهِ مَا اسْتَحْدَثَ مِلْكَهُ وَالْمُوجِبُ لِلتَّقْدِيرِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَحْقِيقِ مَقْصُودِ الْوَصِيَّةِ مِنْ الثَّوَابِ وَالْبِرِّ لِلْأَصْحَابِ، وَهَذَا الْمُوجِبُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيمِ تَقْدِيرِهِ عِنْدَ مِلْكِ الْعَبْدِ وَإِلَّا كَانَ مُدَبَّرًا مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ عِنْدَ مَوْتِهِ فَلَا تَتَعَلَّقُ بِهِ عِبَارَتُهُ عِنْدَ مِلْكِهِ لَا الصَّرِيحَةُ لِأَنَّهَا لَمْ تَتَنَاوَلْ إلَّا الْحَالَ وَلَا الْمُقَدَّرَةُ لِتَأْخِيرِ تَقْدِيرِهَا إلَى مَا قَبْلَ الْمَوْتِ فَلَا يَكُونُ مُدَبَّرًا لَا مُطْلَقًا وَلَا مُقَيَّدًا كَانَ دَافِعًا لِلْإِشْكَالِ.

[فُرُوعٌ مِنْ تَعْلِيقِ الْعِتْقِ]

قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ بِعْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّ نُزُولَ الْعِتْقِ الْمُعْتَقَ بَعْدَ الشَّرْطِ وَبَعْدَ الْبَيْعِ هُوَ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ فَلَا يَعْتِقُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ فَاسِدًا فَيَعْتِقُ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ بَعْدَ الْبَيْعِ بَاقٍ لَا يَزُولُ إلَّا بِتَسْلِيمِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي تَسَلَّمَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ فَحِينَئِذٍ يَزُولُ مِلْكُهُ بِنَفْسِ الْبَيْعِ فَلَا يَعْتِقُ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. وَحَقِيقَةُ الْوَجْهِ أَنْ يُقَالَ وَقْتُ نُزُولِ الْعِتْقِ هُوَ وَقْتُ زَوَالِ الْمِلْكِ لِأَنَّهُمَا مَعًا يَتَعَقَّبَانِ الْبَيْعَ فَلَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ فِي حَالِ زَوَالِ الْمِلْكِ كَمَا لَا يَثْبُتُ فِي حَالِ تَقَرُّرِ زَوَالِهِ.

وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلْت فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ فَدَخَلَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَدَخَلَ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّ الْيَمِينَ انْحَلَّتْ بِالدُّخُولِ الْأَوَّلِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ إذْ لَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ انْحِلَالِ الْيَمِينِ نُزُولُ الْجَزَاءِ، وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ بَعْدَ الْبَيْعِ حَتَّى اشْتَرَاهُ فَدَخَلَ عَتَقَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِعَدَمِ بُطْلَانِ الْيَمِينِ عِنْدَنَا بِزَوَالِ الْمِلْكِ وَمِثْلُهُ فِي الطَّلَاقِ.

وَلَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ فَدَخَلَ إحْدَاهُمَا ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَدَخَلَ الْأُخْرَى عَتَقَ لِأَنَّ الشَّرْطَ إذَا كَانَ مَجْمُوعَ أَمْرَيْنِ كَانَ الشَّرْطُ وُجُودَ الْمِلْكِ عِنْدَ آخِرِهِمَا، وَبَيَّنَّا مِثْلَهُ فِي الطَّلَاقِ، وَلَوْ دَخَلَ إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْبَيْعِ وَالْأُخْرَى بَعْدَ الْبَيْعِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ لَا يَعْتِقُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ عِنْدَ آخِرِهِمَا، وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّرْطِ مَجْمُوعَ أَمْرَيْنِ اعْتِرَاضُ الشَّرْطِ، فَلَوْ قَالَ إذَا دَخَلْت فَأَنْتَ حُرٌّ إذَا كَلَّمْت فُلَانًا فَبَاعَهُ فَدَخَلَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَكَلَّمَ فُلَانًا لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّ شَرْطَ الْعِتْقِ لَيْسَ إلَّا الْكَلَامَ، غَيْرَ أَنَّهُ عَلَّقَ الْيَمِينَ الْمُنْعَقِدَةَ مِنْ شَرْطِ الْكَلَامِ وَجَزَائِهِ الَّذِي هُوَ الْعِتْقُ بِالدُّخُولِ فَالدُّخُولُ شَرْطُ الْيَمِينِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ عِنْدَ الدُّخُولِ الْكَائِنِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ أَنْتَ حُرٌّ إذَا كَلَّمْت فُلَانًا؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَالْيَمِينُ لَا يَنْعَقِدُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ فَكَلَامُهُ غَيْرُ مُوقَعٍ.

وَلَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي فَبَاعَهُ فَدَخَلَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَمَاتَ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّهُ عَلَّقَ التَّدْبِيرَ بِدُخُولِ الدَّارِ فَيَصِيرُ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ لَمْ يَكُنْ الْمِلْكُ قَائِمًا، وَالتَّدْبِيرُ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَيْهِ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ التَّدْبِيرُ لَمْ يَعْتِقْ بِمَوْتِهِ.

وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَى بَاقِيَهُ فَفَعَلَ مَا عَلَّقَ عِتْقَهُ عَلَيْهِ لَمْ يَعْتِقْ إلَّا نِصْفُهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْزِلُ الْمُعَلَّقُ وَالْمُعَلَّقُ كَانَ النِّصْفَ وَالْعِتْقُ يَتَجَزَّأُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَسْعَى فِي قِيمَةِ نِصْفِهِ لِسَيِّدِهِ. وَعِنْدَهُمَا يَعْتِقُ كُلُّهُ فَلَا يَسْعَى، وَلَوْ كَانَ بَاعَ النِّصْفَ الْأَوَّلَ ثُمَّ اشْتَرَى نِصْفَ شَرِيكِهِ ثُمَّ دَخَلَ الدَّارَ لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ النِّصْفُ الْمُبْتَاعُ لَا الْمُسْتَحْدَثُ وَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ.

وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَبَيْنَ مَا لَا يَقَعُ فِيهِ الْعِتْقُ مِنْ مَيِّتٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ حِمَارٍ وَقَالَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ أَوْ قَالَ هَذَا أَوْ هَذَا عَتَقَ عَبْدُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ، وَقَالَا: لَا يَعْتِقُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ، وَمِثْلُهُ وَأَصْلُهُ مَرَّ فِي الطَّلَاقِ. وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَأُسْطُوَانَةٍ وَقَالَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ عَتَقَ عَبْدُهُ لِأَنَّ كَلَامَهُ إيجَابُ الْحُرِّيَّةِ لِلْجَزْمِ، وَلَوْ قَالَ هَذَا حُرٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>