وَالْإِيجَابُ إنَّمَا يَصِحُّ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ أَوْ إلَى سَبَبِهِ، فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ إيجَابُ الْعِتْقِ يَتَنَاوَلُ الْعَبْدَ الْمَمْلُوكَ اعْتِبَارًا لِلْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ فَيَصِيرُ مُدَبَّرًا حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُهُ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ إيصَاءٌ يَتَنَاوَلُ الَّذِي يَشْتَرِيهِ اعْتِبَارًا لِلْحَالَةِ الْمُتَرَبِّصَةِ وَهِيَ حَالَةُ الْمَوْتِ، وَقَبْلَ الْمَوْتِ حَالَةُ التَّمَلُّكِ اسْتِقْبَالٌ مَحْضٌ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ اللَّفْظِ، وَعِنْدَ الْمَوْتِ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي أَوْ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ بَعْدَ غَدٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ وَاحِدٌ وَهُوَ إيجَابُ الْعِتْقِ وَلَيْسَ فِيهِ إيصَاءٌ وَالْحَالَةُ مَحْضُ اسْتِقْبَالٍ فَافْتَرَقَا. وَلَا يُقَالُ: إنَّكُمْ جَمَعْتُمْ بَيْنَ الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ. لِأَنَّا نَقُولُ: نَعَمْ لَكِنْ
الْحَابِسَةِ لِمَا فِيهَا وَالرَّهْنُ هُوَ الْحَبْسُ وَزَمَنُ الْحَالِ هُوَ الْحَابِسُ لِمَا فِيهِ دُونَ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ وَدُخُولِ مَا فِي الْحَالَةِ الْمُنْتَظَرَةِ أَيْضًا لِلِاتِّفَاقِ، عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ دَخَلَ الْمُسْتَحْدَثُ مِنْ الْمَالِ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ، وَلَوْ أَوْصَى لِوَلَدِ فُلَانٍ وَلَا وَلَدَ لَهُ فَوُلِدَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْلَادٌ دَخَلُوا وَاسْتَحَقُّوا الْمُوصَى بِهِ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ فِي الْوَصِيَّةِ دُخُولُ كُلِّ مَا فِي الْحَالَيْنِ تَحْصِيلًا لِغَرَضِ الْمَيِّتِ مِنْ تَحْصِيلِ الثَّوَابِ وَالْبِرِّ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ عِنْدَ الْمَوْتِ كُلُّ عَبْدٍ حُرٌّ فَيَعْتِقُ مَا دَخَلَ فِي مِلْكِهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَمِنْهُ مَا مَلَكَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ الصَّرِيحِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ كُلُّ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ غَدًا فَهُوَ حُرٌّ لَيْسَ فِيهِ إلَّا جِهَةٌ وَاحِدَةٌ هِيَ جِهَةُ الْإِيجَابِ، فَلَا يَدْخُلُ إلَّا الْحَاصِلُ فِي الْحَالِ، وَلَمَّا كَانَ هَذَا لَا يَنْفِي اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ فِي مَعْنَيَيْهِ: أَعْنِي لَفْظَ أَمْلِكُ وَهُوَ مَمْنُوعٌ عِنْدَنَا أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ.
وَأَجَابَ بِأَنَّ الْمُمْتَنِعَ الْجَمْعُ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ لَا بِسَبَبَيْنِ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا قَوْلٌ لِلْعِرَاقِيِّينَ غَيْرُ مَرْضِيٍّ فِي الْأُصُولِ، وَإِلَّا لَمْ يَمْتَنِعْ الْجَمْعُ مُطْلَقًا وَلَمْ يَتَحَقَّقْ خِلَافٌ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute