وَلَهُمَا أَنَّ هَذَا إيجَابُ عِتْقٍ وَإِيصَاءٌ حَتَّى اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ وَفِي الْوَصَايَا تُعْتَبَرُ الْحَالَةُ الْمُنْتَظَرَةُ وَالْحَالَةُ الرَّاهِنَةُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ مَا يَسْتَفِيدُهُ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ وَفِي الْوَصِيَّةِ لِأَوْلَادِ فُلَانٍ مَنْ يُولَدُ لَهُ بَعْدَهَا.
مَا كَانَ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ، وَكَذَا إذَا قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي إذَا مِتّ فَهُوَ حُرٌّ، وَهَذَا لِأَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةً لِلْحَالِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ أَنَّ الْمُضَارِعَ لِلْحَالِ، وَكَذَا الْوَصْفُ فَلَا يَعْتِقُ بِهِ مَا سَيَمْلِكُهُ، وَلِهَذَا صَارَ بِهِ الْكَائِنُ فِي مِلْكِهِ حَالَ التَّكَلُّمِ مُدَبَّرًا فِي الْحَالِ دُونَ الْآخَرِ، وَبِهَذَا الْوَجْهِ طَعَنَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ فِي جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ، فَأَوْجَبَ الْمَرْوِيَّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ.
وَأَيْضًا لَوْ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْحَالَ فَقَطْ، فَإِمَّا أَنْ يُرَادَ كُلٌّ مِنْهُ وَمِنْ الْمَمْلُوكِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَيَلْزَمُ إمَّا تَعْمِيمُ الْمُشْتَرَكِ أَوْ اسْتِعْمَالُهُ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ ثُمَّ يَلْزَمُ تَدْبِيرُ كُلٍّ مِنْهُمَا ذَاكَ فِي الْحَالِ وَالْمُسْتَحْدَثِ عِنْدَ مِلْكِهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ فِي مَعْنَى كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي أَوْ سَأَمْلِكُهُ مُدَبَّرٌ، وَكَذَا إذَا أُرِيدَ بِاللَّفْظِ الْمُجْتَمِعُ فِي الْمِلْكِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ عُمُومُ الْمَجَازِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ ﵀ فِيمَنْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ غَدًا فَهُوَ حُرٌّ وَلَا نِيَّةَ لَهُ عَتَقَ مَا اجْتَمَعَ فِي مِلْكِهِ غَدًا مِمَّنْ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ حَالَ التَّكَلُّمِ أَوْ مَلَكَهُ إلَى غَدٍ، خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فَإِنَّ عَلَى قَوْلِهِ لَا يُتَنَاوَلُ إلَّا الْمَمْلُوكُ فِي الْغَدِ فَيَلْزَمُ تَدْبِيرُ كُلٍّ مِنْهُمَا تَدْبِيرًا مُطْلَقًا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا لَوْ قَالَ كُلُّ مَنْ كَانَ فِي مِلْكِي عِنْدَ الْمَوْتِ مُدَبَّرٌ وَهُوَ مُنْتَفٍ، أَوْ يُرَادُ الْمُسْتَقْبِلُ فَقَطْ كَمَا لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ إلَى سَنَةٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ إلَى أَنْ أَمُوتَ أَوْ أَبَدًا لَزِمَ أَنْ لَا يَعْتِقَ مَا كَانَ فِي مِلْكِهِ وَلَا يَصِيرَ مُدَبَّرًا وَهُوَ مُنْتَفٍ فَبَطَلَتْ الْأَقْسَامُ فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنْ يَعْتِقَ الْكَائِنُ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ التَّكَلُّمِ فَقَطْ وَلَازَمَهُ مَا ذَكَرْنَا.
وَعُرِفَ مِنْ هَذَا أَنَّ صُورَةَ التَّرَاكِيبِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: مَا يَتَنَاوَلُ الْحَالَ فَقَطْ اتِّفَاقًا وَهُوَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ أَوْ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهُوَ عَلَى مَا كَانَ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ قَالَهُ وَلَا يَعْتِقُ مَا يَسْتَقْبِلُ مِلْكَهُ، وَمَا يَتَنَاوَلُ الْمُسْتَقْبِلَ لَا غَيْرُ اتِّفَاقًا وَهُوَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ إلَى سَنَةٍ وَنَحْوُهُ، وَمَا فِيهِ خِلَافُهُمَا وَهُوَ نَحْوُ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ غَدًا، فَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ ﵀ يَعْتِقُ فِي الْغَدِ مَنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ، وَالْمُسْتَحْدَثُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَقْيَسُ بِمَسْأَلَتِهِ يَوْمَئِذٍ بِقَلِيلِ تَأَمُّلٍ.
(قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّ هَذَا) أَيْ مَجْمُوعَ التَّرْكِيبِ لَا لَفْظَ أَمْلِكُهُ فَقَطْ كَمَا فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ (إيجَابُ عِتْقٍ وَإِيصَاءٍ) لِأَنَّ حَاصِلَ التَّدْبِيرِ إيجَابٌ لِلْعِتْقِ مُضَافًا إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَهَذَا هُوَ الْإِيصَاءُ بِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَعْمَلَ بِمُقْتَضَى كُلٍّ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْإِيصَاءِ اللَّذَيْنِ هُمَا مَعْنَى التَّدْبِيرِ، وَمُقْتَضَى إيجَابِ عِتْقِ مَا يَمْلِكُهُ وُقُوعُهُ فِي الْحَاصِلِ فِي الْمِلْكِ حَالَ التَّكَلُّمِ ثُمَّ هُوَ مُضَافٌ إلَى الْمَوْتِ فَكَانَ تَدْبِيرًا مُطْلَقًا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَمُقْتَضَى الْوَصِيَّةِ بِمَا يَمْلِكُهُ دُخُولُ مَا فِي الْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ: أَيْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute