للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَلَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ، أَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَلَهُ مَمْلُوكٌ فَاشْتَرَى مَمْلُوكًا آخَرَ فَاَلَّذِي كَانَ عِنْدَ وَقْتَ الْيَمِينِ مُدَبَّرٌ وَالْآخَرُ لَيْسَ بِمُدَبَّرٍ، وَإِنْ مَاتَ عَتَقَا مِنْ الثُّلُثِ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي النَّوَادِرِ: يَعْتِقُ مَا كَانَ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ وَلَا يَعْتِقُ مَا اسْتَفَادَ بَعْدَ يَمِينِهِ، وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي إذَا مِتّ فَهُوَ حُرٌّ. لَهُ أَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةً لِلْحَالِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَلَا يَعْتِقُ بِهِ مَا سَيَمْلِكُهُ وَلِهَذَا صَارَ هُوَ مُدَبَّرًا دُونَ الْآخَرِ.

وَكَذَا لَفْظُ أَمْلِكُ لِلْحَالِ حَقِيقَةً، يُقَالُ أَنَا أَمْلِكُ كَذَا فَيَتَبَادَرُ مِنْهُ الْحَالُ، وَالتَّبَادُرُ دَلِيلُ الْحَقِيقَةِ وَلِذَا اُسْتُعْمِلَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ، وَفِي الِاسْتِقْبَالِ بِقَرِينَةِ السِّينِ وَسَوْفَ وَغَيْرِهِمَا كَإِسْنَادِهِ إلَى مُتَوَقَّعٍ وَاقْتِضَائِهِ طَلَبًا عَلَى مَا عُرِفَ فِي النَّحْوِ، وَهَذَا أَحَدُ الْمَذَاهِبِ لِأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ.

وَقِيلَ بِقَلْبِهِ وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الْمُحِيطِ حَيْثُ قَالَ: أَمْلِكُ وَإِنْ كَانَ حَقِيقَةً فِي الِاسْتِقْبَالِ إلَّا أَنَّهُ صَارَ لِلْحَالِ شَرْعًا كَمَا فِي الشَّهَادَةِ. وَعُرْفًا يُقَالُ أَمْلِكُ كَذَا دِرْهَمًا فَكَانَ كَالْحَقِيقَةِ فِي الْحَالِ. وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ لِلْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ، وَهُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ظَنًّا أَنَّ مَذْهَبَ النُّحَاةِ لَيْسَ إلَّا أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ.

وَأَعْجَبُ مِنْهُ جَوَابُ مَنْ رَامَ دَفْعَهُ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لِلْحَالِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لِلِاسْتِقْبَالِ لَيْسَ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ حَقِيقَةٌ فِي الْمَعْنَيَيْنِ اهـ.

فَتَرَكَ النَّظَرَ إلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَلِذَا يُسْتَعْمَلُ لَهُ بِغَيْرِ قَرِينَةٍ وَفِي الِاسْتِقْبَالِ بِقَرِينَةٍ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ فِي الِاسْتِقْبَالِ مَجَازٌ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَشْرُوطُ بِالْقَرِينَةِ بَلْ الْجَوَابُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الِاشْتِرَاكَ لَيْسَ مَذْهَبَ كُلِّ النُّحَاةِ بَلْ الْمَذَاهِبُ ثَلَاثَةٌ، وَمَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ مَذْهَبُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْهُمْ كَأَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ وَغَيْرِهِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُرَادُ الِاسْتِقْبَالُ إلَّا بِقَرِينَةٍ كَمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ الْحَالِ، وَأَمَّا اخْتِيَارُ عَكْسِهِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ فَوَرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْحَقِيقَةَ الْمُسْتَعْمَلَةَ أَوْلَى مِنْ الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ عِنْدَهُ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ، وَأَمَّا تَفْرِيعُهُ عَلَى الِاشْتِرَاكِ فَغَايَةُ مَا وُجِّهَ بِهِ أَنَّ تَعَيُّنَ الْحَالِ بِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ: أَيْ الْمُعَيِّنَةِ لِأَحَدِ الْمَفْهُومَيْنِ الْحَقِيقِيَّيْنِ، بِخِلَافِ نَحْوِ أُسَافِرُ وَأَتَزَوَّجُ فَإِنَّهُ مَحْفُوفٌ بِقَرِينَةِ الِاسْتِقْبَالِ وَهِيَ الْمُشَاهَدَةُ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْحَالُ عَلَى اخْتِلَافِ التَّخْرِيجِ كَانَ الْجَزَاءُ حُرِّيَّةَ عَبْدٍ مَمْلُوكٍ فِي الْحَالِ مُضَافًا إلَى مَا بَعْدَ الْغَدِ فَلَا يَعْتِقُ الْمَمْلُوكُ بَعْدَ الْحَالِ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ أَوْ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَلَهُ مَمْلُوكٌ فَاشْتَرَى آخَرَ ثُمَّ مَاتَ فَاَلَّذِي كَانَ عِنْدَهُ مُدَبَّرٌ) مُطْلَقٌ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ، وَاَلَّذِي اشْتَرَاهُ لَيْسَ بِمُدَبَّرٍ مُطْلَقٍ بَلْ مُدَبَّرٍ مُقَيَّدٍ حَتَّى جَازَ بَيْعُهُ، وَلَوْ لَمْ يَبِعْهُ حَتَّى مَاتَ عَتَقَا جَمِيعًا مِنْ الثُّلُثِ إنْ خَرَجَا مِنْهُ عَتَقَ جَمِيعُ كُلٍّ مِنْهُمَا؛ وَإِنْ ضَاقَ عَنْهُمَا يَضْرِبُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِقِيمَتِهِ فِيهِ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَنْ الْكُلِّ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ مَا اسْتَفَادَ بَعْدَ يَمِينِهِ، وَإِنَّمَا يَعْتِقُ

<<  <  ج: ص:  >  >>