(إذَا قَالَ الْمَوْلَى لِمَمْلُوكِهِ إذْ مِتَّ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ عَنْ دُبُرٍ مِنِّي أَوْ أَنْتَ مُدَبَّرٌ أَوْ قَدْ دَبَّرْتك فَقَدْ صَارَ مُدَبَّرًا)؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ صَرِيحٌ فِي التَّدْبِيرِ فَإِنَّهُ إثْبَاتُ الْعِتْقِ عَنْ دُبُرٍ
الْمِلْكِ لَهُ فَيَصِحُّ وَيَكُونُ عِنْدَ وُجُودِ الْمِلْكِ كَالْمُنْجِزِ لَهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ إلَى خَمْسِينَ سَنَةً فَهُوَ حُرٌّ فَعَتَقَ قَبْلَ ذَلِكَ فَمَلَكَ لَا يُعْتَقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يُعْتَقُ، وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ اشْتِرَاطِ الْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ هُوَ فِي تَدْبِيرِ الْمَالِكِ أَمَّا الْوَكِيلُ فَلَا.
فِي الْمَبْسُوطِ: لَوْ قَالَ لِصَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ دَبِّرْ عَبْدِي إنْ شِئْت فَدَبَّرَهُ جَازَ، وَهَذَا عَلَى الْمَجْلِسِ لِتَصْرِيحِهِ بِالْمَشِيئَةِ وَنَظِيرُهُ فِي الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ. وَإِذْ قَدْ أَنْجَزَ الْكَلَامَ إلَى الْوَكَالَةِ فَهَذَا فَرْعٌ مِنْهُ. قَالَ لِرَجُلَيْنِ دَبِّرَا عَبْدِي فَدَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا جَازَ، وَلَوْ جَعَلَ أَمْرَهُ فِي التَّدْبِيرِ إلَيْهِمَا بِأَنْ قَالَ جَعَلْت أَمْرَهُ إلَيْكُمَا فِي تَدْبِيرِهِ فَدَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَلَّكَهُمَا هَذَا التَّصَرُّفَ فَلَا يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُهُمَا، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُمَا مُعَبِّرَيْنِ عَنْهُ، وَعِبَارَةُ الْوَاحِدِ وَعِبَارَةُ الْمُثَنَّى سَوَاءٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ يَنْهَاهُمَا قَبْلَ أَنْ يُدَبِّرَاهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِي جَعْلِ الْأَمْرِ إلَيْهِمَا، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. (قَوْلُهُ: إذَا قَالَ الْمَوْلَى لِمَمْلُوكِهِ إذَا مِتَّ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ عَنْ دُبُرٍ مِنِّي أَوْ أَنْتَ مُدَبَّرٌ أَوْ وَقَدْ دَبَرْتُك صَارَ مُدَبَّرًا)؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ صَرِيحٌ فِي التَّدْبِيرِ، فَإِنَّهُ أَيْ التَّدْبِيرَ إثْبَاتُ الْعِتْقِ عَنْ دُبُرٍ.
وَهَذِهِ تُفِيدُ ذَلِكَ بِالْوَضْعِ فَأَفَادَ أَنَّ كُلَّمَا أَفَادَ إثْبَاتَهُ عَنْ دُبُرٍ كَذَلِكَ فَهُوَ صَرِيحٌ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ. الْأَوَّلُ: مَا يَكُونُ بِلَفْظِ إضَافَةٍ كَبَعْضِ مَا ذَكَرْنَا وَمِنْهُ إنْ حَرَّرْتُك أَوْ أَعْتَقْتُك أَوْ أَنْتَ حُرٌّ أَوْ مُحَرَّرٌ أَوْ عِتْقٌ أَوْ مُعْتَقٌ بَعْدَ مَوْتِي. وَالثَّانِي مَا يَكُونُ بِلَفْظِ التَّعْلِيقِ كَإِنْ مِتَّ أَوْ إذَا مِتَّ أَوْ مَتَى مِتَّ أَوْ حَدَثَ بِي حَدَثٌ أَوْ حَادِثٌ فَأَنْتَ حُرٌّ وَتُعُورِفَ الْحَدَثُ وَالْحَادِثُ فِي الْمَوْتِ، وَكَذَا أَنْتَ حُرٌّ مَعَ مَوْتِي أَوْ فِي مَوْتِي فَإِنَّهُ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْمَوْتِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَعَ وَفِي تُسْتَعَارُ فِي مَعْنَى حَرْفِ الشَّرْطِ، وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا قَالَ أَنْتَ مُدَبَّرٌ بَعْدَ مَوْتِي يَصِيرُ مُدَبَّرًا فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ اسْمٌ لِمَنْ يَعْتِقُ عَنْ دُبُرِ مَوْتِهِ فَكَانَ هَذَا وَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي سَوَاءً، وَكَذَا أَعْتَقْتُك أَوْ حَرَّرْتُك بَعْدَ مَوْتِي.
وَالثَّالِثُ: مَا يَكُونُ بِلَفْظِ الْوَصِيَّةِ كَأَوْصَيْتُ لَك بِرَقَبَتِك أَوْ بِنَفْسِك أَوْ بِعِتْقِك، وَكَذَا إذَا قَالَ أَوْصَيْت لَك بِثُلُثِ مَالِي فَتَدْخُلُ رَقَبَتُهُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ مَالِهِ فَيَعْتِقُ ثُلُثُ رَقَبَتِهِ. وَفِي الْكَافِي: أَنْتَ حُرٌّ أَوْ مُدَبَّرٌ أَوْ عَتِيقٌ يَوْمَ يَمُوتُ يَصِيرُ مُدَبَّرًا، وَالْمُرَادُ بِالْيَوْمِ الْوَقْتُ؛ لِأَنَّهُ قَرَنَ بِهِ مَا لَا يَمْتَدُّ، وَلَوْ نَوَى النَّهَارَ فَقَطْ لَا يَكُونُ مُدَبَّرًا مُطْلَقًا؛ لِجَوَازِ أَنْ يَمُوتَ لَيْلًا. يَعْنِي فَيَجُوزُ بَيْعُهُ، فَإِنْ لَمْ يَبِعْهُ حَتَّى مَاتَ عَتَقَ كَالْمُدَبَّرِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ صَرَائِحُ؛ لِأَنَّهَا اُسْتُعْمِلَتْ فِي الشَّرْعِ، وَكَذَلِكَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي أُمِّ الْوَلَدِ فَهِيَ مُعْتَقَةٌ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ» ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ، ثُمَّ تُوُورِثَتْ بِلَا شُبْهَةٍ فِي هَذَا الْمَعْنَى. وَلَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَمَوْتِ فُلَانٍ فَلَيْسَ بِمُدَبَّرٍ مُطْلَقٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ عِتْقُهُ بِمَوْتِهِ مُطْلَقًا، فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ فُلَانٍ لَمْ يَعْتِقْ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يَتِمَّ فَصَارَ مِيرَاثًا لِلْوَرَثَةِ، وَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوهُ، وَإِنْ مَاتَ فُلَانٌ أَوَّلًا يَصِيرُ مُدَبَّرًا مُطْلَقًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ خِلَافًا لِزُفَرَ؛ لِأَنَّهُ كَمَا لَوْ قَالَ إذَا كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي فَكَلَّمَهُ أَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ كَلَامِك فُلَانًا أَوْ بَعْدَ مَوْتِي فَإِذَا كَلَّمَ فُلَانًا صَارَ مُدَبَّرًا. وَلَوْ قَالَ بَعْدَ مَوْتِي إنْ شِئْت يَنْوِي فِيهِ، فَإِنْ نَوَى الْمَشِيئَةَ السَّاعَةَ فَشَاءَ الْعَبْدُ سَاعَتَهُ فَهُوَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِوُجُودِ شَرْطِ التَّدْبِيرِ فَيَصِيرُ مُدَبَّرًا، وَإِنْ نَوَى الْمَشِيئَةَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَإِذَا مَاتَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute