(ثُمَّ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ وَلَا إخْرَاجُهُ عَنْ مِلْكِهِ إلَّا إلَى الْحُرِّيَّةِ) كَمَا فِي الْكِتَابَةِ.
الْمَوْلَى فَشَاءَ الْعَبْدُ عِنْدَ مَوْتِهِ فَهُوَ حُرٌّ بِوُجُودِ الشَّرْطِ لَا بِاعْتِبَارِ التَّدْبِيرِ.
وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ يَقُولُ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ هُنَا إلَّا بِإِعْتَاقٍ مِنْ الْوَرَثَةِ أَوْ الْوَصِيِّ بِمِثْلِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ مِنْ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَعْتِقْ بِنَفْسِ الْمَوْتِ صَارَ مِيرَاثًا فَلَا يَعْتِقُ بَعْدَهُ إلَّا بِإِعْتَاقٍ مِنْهُمْ وَيَكُونُ هَذَا وَصِيَّةً يَحْتَاجُ إلَى تَنْفِيذِهَا، كَمَا لَوْ قَالَ أَعْتَقُوهُ بَعْدَ مَوْتِي إنْ شَاءَ وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِإِعْتَاقٍ مِنْهُمْ بَعْدَ الشَّهْرِ، نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ وَكَذَا بِيَوْمٍ. وَفِي الْإِسْبِيجَابِيِّ: إذَا لَمْ يَعْتِقْ إلَّا بِإِعْتَاقِ الْوَارِثِ أَوْ الْوَصِيِّ فَلِلْوَارِثِ أَنْ يُعْتِقَهُ تَنْجِيزًا أَوْ تَعْلِيقًا، وَالْوَصِيُّ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا تَنْجِيزًا، وَلَوْ أَعْتَقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ عَتَقَ عَنْ الْمَيِّتِ دُونَ الْكَفَّارَةِ.
وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُفَصَّلَ فِي التَّعْلِيقِ فَإِنْ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ ثُمَّ لَمْ يَفْعَلْهُ أَوْ بِمُضِيِّ زَمَانٍ طَوِيلٍ أَوْ عَلَى فِعْلِ الْعَبْدِ وَهُوَ مِمَّا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ أَوْ يَتَعَسَّرُ لَا يَلْزَمُ الْعَبْدَ تَوَقُّفُهُ عَلَيْهِ، بَلْ إنْ شَاءَ رَفَعَ إلَى الْقَاضِي لِيُنْجِزَ عِتْقَهُ، ثُمَّ فِي ظَاهِرِ الْجَوَابِ يُعْتَبَرُ وُجُودُ الْمَشِيئَةِ مِنْ الْعَبْدِ فِي مَجْلِسِ مَوْتِهِ أَوْ عِلْمِهِ بِمَوْتِهِ كَمَا يَتَقَيَّدُ بِهَذَا مَشِيئَتُهُ فِي حَيَاتِهِ بِمَجْلِسِ التَّفْوِيضِ إلَيْهِ إذَا كَانَ بِهَذَا اللَّفْظِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَا يَتَوَقَّفُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْوَصِيَّةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْوَصِيَّةِ الْقَبُولُ فِي الْمَجْلِسِ. وَفِي الْأَصْلِ: لَوْ قَالَ بَعْدَ مَوْتِي بِيَوْمٍ لَمْ يَكُنْ مُدَبَّرًا وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ؛ لِأَنَّهُ مَا عَلَّقَهُ بِمُطْلَقِ الْمَوْتِ بَلْ بِمُضِيِّ يَوْمٍ بَعْدَهُ، فَإِنْ مَاتَ لَمْ يَعْتِقْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي سَمَّى حَتَّى يُعْتِقَهُ الْوَرَثَةُ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الْأُولَى فَقَالَ: إذَا أَخَّرَ الْعِتْقَ عَنْ مَوْتِهِ بِزَمَانٍ مُمْتَدٍّ بِيَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ وَتَقَرَّرَ مِلْكُ الْوَارِثِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ عَرَفْنَا أَنَّ مُرَادَهُ الْأَمْرُ بِإِعْتَاقِهِ فَلَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يُعْتِقُوهُ، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْمَشِيئَةِ فَإِنَّهَا تَتَّصِلُ بِمَشِيئَةِ الْعَبْدِ بِمَوْتِ الْمَوْلَى قَبْلَ تَقَرُّرِ الْمِلْكِ لِلْوَارِثِ فَيَعْتِقُ بِإِعْتَاقِ الْمَوْلَى، وَلَا تَدْعُو إلَى إعْتَاقِ الْوَارِثِ، وَهَذَا إنْ تَمَّ أَشْكَلَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِأَلْفٍ، فَإِنَّ زَمَنَ الْقَبُولِ كَزَمَنِ الْمَشِيئَةِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُوَصَّلَ بِمَوْتِ الْمَوْلَى أَوْ بِعِلْمِهِ بِمَوْتِهِ.
لَا يُقَالُ: يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ الْعَبْدُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَتِلْكَ بَاقِيًا عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ لِحَاجَتِهِ إلَى نَفَاذِ إيجَابِهِ وَثُبُوتِ اعْتِبَارِهِ شَرْعًا، وَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْقَبُولَ غَيْرُ مَعْلُومٍ يُدْفَعُ بِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ لَكِنَّهُ مُتَوَقَّعٌ. وَعَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِهِ يَلْزَمُ إخْرَاجُهُ عَنْ مِلْكِهِمْ بَعْدَ الدُّخُولِ وَاسْتِصْحَابُ الْمِلْكِ الْأَوَّلِ أَسْهَلُ مِنْ رَفْعِهِ، ثُمَّ إدْخَالُهُ فِي مِلْكِ شَخْصٍ ثُمَّ إخْرَاجُهُ عَنْهُ فَوَجَبَ أَنْ يَبْقَى لِحَاجَتِهِ. ثُمَّ لَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَقْرَبُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ هُنَا يَقَعُ هُنَا يَقَعُ مَجَّانًا فَوَجَبَ عِتْقُهُ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى. لِأَنَّا نَقُولُ: لَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَزِمَ فِي أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِيَوْمٍ عَدَمُ تَوَقُّفِهِ، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَجِيءَ الْيَوْمِ بَعْدَهُ مَعْلُومٌ غَيْرُ مَشْكُوكٍ، وَهِيَ مِنْ مَوَاضِعِ النَّصِّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِإِعْتَاقِهِمْ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ) أَيْ الْمُدَبَّرُ الْمُطْلَقُ وَهُوَ الَّذِي عُلِّقَ عِتْقُهُ بِمُطْلَقِ مَوْتِ الْمَوْلَى، وَلَا هِبَتُهُ، وَلَا إخْرَاجُهُ عَنْ مِلْكِهِ إلَّا إلَى الْحُرِّيَّةِ بِلَا بَدَلٍ أَوْ بِكِتَابِهِ أَوْ عَتَقَ عَلَى مَالٍ، وَمَا سِوَاهُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي لَا تُبْطِلُ حَقَّهُ فِي الْحُرِّيَّةِ يَجُوزُ، فَيَجُوزُ اسْتِخْدَامُهُ وَإِجَارَتُهُ وَأَخْذُ أُجْرَتِهِ وَتَزْوِيجُ الْمُدَبَّرَةِ وَوَطْؤُهَا وَأَخْذُ مَهْرِهَا وَأَرْشُ جِنَايَتِهَا، وَعَلَّلَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا يَأْتِي بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ ثَابِتٌ، وَبِهِ تُسْتَفَادُ وِلَايَةُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْهَنَهُ؛ لِفَوَاتِ شَرْطِ عَقْدِ الرَّهْنِ وَهُوَ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ مَالِيَّةِ الْمَرْهُونِ بِطَرِيقِ الْبَيْعِ، وَلَا مَالِيَّةَ لِلْمُدَبَّرِ كَأُمِّ الْوَلَدِ، وَلَيْسَ عَلَى الْمَوْلَى فِي جِنَايَاتِ الْمُدَبَّرِ إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ مَا مَنَعَ إلَّا رَقَبَةً وَاحِدَةً، وَأَمَّا مَا اسْتَهْلَكَهُ فَدَيْنٌ فِي رَقَبَتِهِ يَسْعَى فِيهِ، وَعُرِفَ مِنْ هَذَا أَنْ لَيْسَ لِلْمَوْلَى دَفْعُهُ بِالْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute