وَمِنْ الْمُقَيَّدِ أَنْ يَقُولَ إنْ مِتَّ إلَى سَنَةٍ أَوْ عَشْرِ سِنِينَ لِمَا ذَكَرْنَا، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ وَمِثْلُهُ لَا يَعِيشُ إلَيْهِ فِي الْغَالِبِ؛ لِأَنَّهُ كَالْكَائِنِ لَا مَحَالَةَ.
زُفَرَ هُوَ مُدَبَّرٌ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ تَعَلَّقَ بِمُطْلَقِ مَوْتِهِ حَتَّى يَعْتِقَ إذَا مَاتَ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ. وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ مِنْ الْمَوْتِ وَالْقَتْلِ، وَالْقَتْلُ وَإِنْ كَانَ مَوْتًا فَالْمَوْتُ لَيْسَ بِقَتْلٍ، وَتَعْلِيقُهُ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ يَمْنَعُ كَوْنَهُ عَزِيمَةً فِي أَحَدِهِمَا خَاصَّةً فَلَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُهُ. وَقَوْلُ زُفَرَ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ فِي الْمَعْنَى بِمُطْلَقِ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَرَدُّدَ فِي كَوْنِ الْكَائِنِ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْمَوْتِ قَتْلًا أَوْ غَيْرَ قَتْلٍ فَهُوَ فِي الْمَعْنَى مُطْلَقُ الْمَوْتِ كَيْفَمَا كَانَ.
وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: إذَا قَالَ إذَا مِتَّ وَغُسِّلْت فَأَنْتَ حُرٌّ لَا يَكُونُ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالْمَوْتِ وَشَيْءٍ آخَرَ بَعْدَهُ، ثُمَّ إذَا مَاتَ فَفِي الْقِيَاسِ لَا يَعْتِقُ وَإِنْ غُسِّلَ مَا لَمْ يُعْتِقُوهُ؛ لِأَنَّهُ بِنَفْسِ الْمَوْتِ انْتَقَلَ إلَى مِلْكِهِمْ فَهُوَ كَقَوْلِهِ إنْ مِتَّ وَدَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ يُغَسَّلُ عَقِيبَ الْمَوْتِ قَبْلَ أَنْ يَتَقَرَّرَ مِلْكُ الْوَارِثِ فَهُوَ نَظِيرُ تَعْلِيقِهِ بِمَوْتٍ بِصِفَةٍ، فَإِذَا وُجِدَ ذَلِكَ يَعْتِقُ مِنْ الثُّلُثِ بِخِلَافِ دُخُولِهِ الدَّارَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَّصِلُ بِالْمَوْتِ فَيَتَقَرَّرُ مِلْكُ الْوَارِثِ فِيهِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
(قَوْلُهُ: وَمِنْ الْمُقَيَّدِ) أَيْ وَمِنْ التَّدْبِيرِ الْمُقَيَّدِ (أَنْ يَقُولَ إنْ مِتَّ إلَى سَنَةٍ أَوْ إلَى عَشْرِ سِنِينَ) فَأَنْتَ حُرٌّ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ السَّنَةِ أَوْ الْعَشْرِ عَتَقَ مُدَبَّرًا، وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَ السَّنَةِ أَوْ الْعَشْرِ لَمْ يَعْتِقْ، وَمُقْتَضَى الْوَجْهِ كَوْنُهُ لَوْ مَاتَ فِي رَأْسِ السَّنَةِ يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ هُنَا لَوْلَاهَا تَنَاوَلَ الْكَلَامُ مَا بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهُ تَنْجِيزُ عِتْقِهِ فَيَصِيرُ حُرًّا بَعْدَ السَّنَةِ وَالْعَشْرِ فَتَكُونُ لِلْإِسْقَاطِ فَتَكُونُ لِلْإِسْقَاطِ وَمِنْهُ أَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ أَوْ بِيَوْمٍ فَإِنَّهُ مُدَبَّرٌ مُقَيَّدٌ حَتَّى مَلَكَ بَيْعَهُ وَعِنْدَ زُفَرَ مُدَبَّرٌ مُطْلَقٌ. قُلْنَا: لَمْ يُوجَدْ تَعَلُّقُهُ بِمُطْلَقِ مَوْتِهِ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ قَبْلَ شَهْرٍ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِشَرْطٍ كَائِنٍ لَا مَحَالَةَ وَلَوْ مَاتَ بَعْدَ شَهْرٍ قِيلَ يَعْتِقُ مِنْ الثُّلُثِ، وَقِيلَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَسْتَنِدُ الْعِتْقُ إلَى الشَّهْرِ وَهُوَ كَانَ صَحِيحًا فَيَعْتِقُ مِنْ كُلِّهِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا بَعْدَ مُضِيِّ الشَّهْرِ قَبْلَ مَوْتِهِ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ وَمِثْلُهُ لَا يَعِيشُ إلَيْهَا فِي الْغَالِبِ؛ لِأَنَّهُ كَالْكَائِنِ لَا مَحَالَةَ) فَيَكُونُ تَدْبِيرًا مُطْلَقًا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ قَاضِي خَانَ: عَلَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا مُدَبَّرٌ مُقَيَّدٌ، وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْيَنَابِيعِ وَجَوَامِعِ الْفِقْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ التَّعْيِينِ، وَعَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ ذِكْرُ مَا لَا يَعِيشُ إلَيْهِ غَالِبًا تَأْبِيدٌ مَعْنًى، وَهُوَ كَالْخِلَافِ فِي النِّكَاحِ الْمُؤَقَّتِ لَوْ سَمَّيَا مُدَّةٌ لَا يَعِيشَانِ إلَيْهَا غَالِبًا صَحَّ النِّكَاحُ عِنْدَ الْحَسَنِ؛ لِأَنَّهُ تَأْيِيدٌ مَعْنًى وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ تَوْقِيتٌ فَلَا يَصِحُّ، وَالْمُصَنِّفُ كَالْمُنَاقِضِ فَإِنَّهُ فِي النِّكَاحِ اعْتَبَرَهُ تَوْقِيتًا وَأَبْطَلَ بِهِ النِّكَاحَ وَهُنَا جَعَلَهُ تَأْبِيدًا مُوجِبًا لِلتَّدْبِيرِ.
[فُرُوعٌ]. كَاتَبَ مُدَبَّرَهُ ثُمَّ مَاتَ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ عَتَقَ بِالتَّدْبِيرِ وَسَقَطَ عَنْهُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute