وَلِأَنَّ الْجُزْئِيَّةَ قَدْ حَصَلَتْ بَيْنَ الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءَةِ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ فَإِنَّ الْمَاءَيْنِ قَدْ اخْتَلَطَا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الْمَيْزُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا عُرِفَ فِي حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ، إلَّا أَنَّ بَعْدَ الِانْفِصَالِ تَبْقَى الْجُزْئِيَّةُ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً فَضَعُفَ السَّبَبُ فَأَوْجَبَ حُكْمًا مُؤَجَّلًا إلَى مَا بَعْدِ الْمَوْتِ،
وَإِنْ كَانَ مِثْلَ قَوْلِ الرَّاوِي: كُنَّا نَفْعَلُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حُكْمُهُ الرَّفْعُ لَكِنْ ظَاهِرًا لَا قَطْعًا، فَإِذَا قَامَ دَلِيلٌ فِي خُصُوصٍ مِنْهُ عَلَى عَدَمِهِ وَجَبَ اعْتِبَارُهُ.
وَإِمَّا أَنَّهُ كَانَ بِعِلْمِهِ وَتَقْرِيرِهِ ثُمَّ نُسِخَ وَلَمْ يَظْهَرْ النَّاسِخُ لِأَبِي بَكْرٍ ﵁ لِقِصَرِ مُدَّتِهِ مَعَ اشْتِغَالِهِ فِيهَا بِحُرُوبِ مُسَيْلِمَةَ وَأَهْلِ الرِّدَّةِ وَمَانِعِي الزَّكَاةَ ثُمَّ ظَهَرَ بَعْدَهُ كَمَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ: كُنَّا نُخَابِرُ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَلَا نَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا حَتَّى أَخْبَرَنَا رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ «أَنَّهُ ﷺ نَهَى عَنْ الْمُخَابَرَةِ فَتَرَكْنَاهَا» وَأَيًّا مَا كَانَ وَجَبَ الْحُكْمُ الْآنَ بِعَدَمِ جَوَازِ بَيْعِهِنَّ. هَذَا إذَا قَصَرْنَا النَّظَرَ عَلَى الْمَوْقُوفِ، فَأَمَّا بِمُلَاحَظَةِ الْمَرْفُوعَاتِ الْمُتَعَاضِدَةِ فَلَا شَكَّ.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ ذَلِكَ الْإِجْمَاعِ مَا أَسْنَدَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ قَالَ: سَمِعْت عَلِيًّا يَقُولُ: اجْتَمَعَ رَأْيِي وَرَأْيُ عُمَرَ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ أَنْ لَا يُبَعْنَ، ثُمَّ رَأَيْت بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُبَعْنَ فَقُلْت لَهُ: فَرَأْيُك وَرَأْيُ عُمَرَ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ رَأْيِك وَحْدَك فِي الْفُرْقَةِ فَضَحِكَ عَلِيٌّ. وَاعْلَمْ أَنَّ رُجُوعَ عَلِيٍّ ﵁ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَرَى اشْتِرَاطًا انْقِرَاضَ الْعَصْرِ فِي تَقَرُّرِ الْإِجْمَاعِ وَالْمُرَجَّحُ خِلَافُهُ.
وَسُئِلَ دَاوُد عَنْ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ فَقَالَ: يَجُوزُ؛ لِأَنَّا اتَّفَقْنَا عَلَى جَوَازِ بَيْعِهَا قَبْلَ أَنْ تَصِيرَ أُمَّ وَلَدٍ فَوَجَبَ أَنْ يَبْقَى كَذَلِكَ. إذْ الْأَصْلُ فِي كُلِّ ثَابِتٍ دَوَامُهُ وَاسْتِمْرَارُهُ. وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْبَرْدَعِيُّ حَاضِرًا فَعَارَضَهُ فَقَالَ: قَدْ زَالَتْ تِلْكَ الْحَالَةُ بِالِاتِّفَاقِ وَامْتَنَعَ بَيْعُهَا لَمَّا حَبِلَتْ بِوَلَدِ سَيِّدِهَا، وَالْأَصْلُ فِي كُلِّ ثَابِتٍ دَوَامُهُ فَانْقَطَعَ دَاوُد وَكَانَ لَهُ أَنْ يُجِيبَ وَيَقُولَ: الزَّوَالُ كَانَ بِمَانِعٍ عَرَضَ وَهُوَ قِيَامُ الْوَلَدِ الْحُرِّ فِي بَطْنِهَا وَزَالَ بِانْفِصَالِهِ فَعَادَ مَا كَانَ فَيَبْقَى إلَى أَنْ يَثْبُتَ الْمُزِيلُ.
(قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْجُزْئِيَّةَ قَدْ حَصَلَتْ بَيْنَ الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءَةِ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ، فَإِنَّ الْمَاءَيْنِ) اللَّذَيْنِ خُلِقَ مِنْهُمَا (قَدْ اخْتَلَطَا) وَهُوَ جُزْؤُهُمَا بِحَيْثُ لَا تَمْيِيزَ، وَهَذِهِ الْجُزْئِيَّةُ، وَإِنْ زَالَتْ بِانْفِصَالِ الْوَلَدِ لَكِنَّهَا بَقِيَتْ حُكْمًا وَلَمْ تَنْقَطِعْ لِأَنَّ تِلْكَ الْجُزْئِيَّةِ أَوْجَبَتْ نِسْبَتَهَا إلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ وَبِالِانْفِصَالِ تَقَرَّرَ ذَلِكَ حَتَّى قِيلَ أُمُّ وَلَدِهِ فَقَدْ بَقِيَ أَثَرُهَا شَرْعًا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ عُمَرُ فِيمَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ قَارِبٍ قَالَ: اشْتَرَى ابْنِي أَمَةً مِنْ رَجُلٍ قَدْ أَسْقَطَتْ مِنْهُ فَأَمَرَ عُمَرُ بِرَدِّهَا وَقَالَ: أَبْعَدَ مَا اخْتَلَطَتْ لُحُومُكُمْ بِلُحُومِهِنَّ وَدِمَاؤُكُمْ بِدِمَائِهِنَّ؟ إلَّا أَنَّ السَّبَبَ يَضْعُفُ بِالِانْفِصَالِ (فَأَوْجَبَ حُكْمًا مُؤَجَّلًا إلَى الْمَوْتِ) وَلَمَّا وَرَدَ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ الْحُرَّةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute