للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ حُكْمٌ. فَأَمَّا الدَّيَّانَةُ، فَإِنْ كَانَ وَطِئَهَا وَحَصَّنَهَا وَلَمْ يَعْزِلْ عَنْهَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَعْتَرِفَ بِهِ وَيَدَّعِي؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ، وَإِنْ عَزَلَ عَنْهَا أَوْ لَمْ يُحَصِّنْهَا جَازَ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الظَّاهِرَ يُقَابِلُهُ ظَاهِرٌ آخَرُ، هَكَذَا رُوِيَ عَنْ

كَالتَّصْرِيحِ بِإِقْرَارِهِ، وَاخْتِلَافُهُمْ فِي التَّطَاوُلِ سَبَقَ فِي اللِّعَانِ. هَذَا، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ نَسَبُ مَا تَأْتِي بِهِ فِي حَالِ حِلِّ وَطْئِهَا لَهُ بَعْدَ الْوَلَدِ، أَمَّا لَوْ عَرَضَ بَعْدَهُ حُرْمَةٌ مُؤَبَّدَةٌ بِأَنَّ وَطِئَهَا أَبُو سَيِّدِهَا أَوْ ابْنُهُ أَوْ وَطِئَ السَّيِّدُ أُمَّهَا أَوْ ابْنَتَهَا أَوْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ بِرَضَاعٍ أَوْ بِكِتَابَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ إلَّا بِاسْتِلْحَاقِهِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ أَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِأَقَلِّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ عُرُوضِ الْحُرْمَةِ أَوْ لِتَمَامِهَا، فَفِي الْأَوَّلِ يَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ نَسَبُهُ بِلَا دَعْوَةٍ لِلتَّيَقُّنِ بِأَنَّ الْعُلُوقَ كَانَ قَبْلَ عُرُوضِ الْحُرْمَةِ. وَلَوْ أَعْتَقَهَا ثَبَتَ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْهُ إلَى سَنَتَيْنِ مِنْ يَوْمِ الْإِعْتَاقِ، وَكَذَا إذَا مَاتَ؛ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ، وَلَا يُمْكِنُ نَفْيُهُ؛ لِأَنَّ فِرَاشَهَا تَأَكَّدَ بِالْحُرِّيَّةِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ نَقْلَهُ فَالْتَحَقَ بِفِرَاشِ الْمَنْكُوحَةِ فِي الْعِدَّةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ عَرَضَتْ الْحُرْمَةُ بِحَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ صَوْمٍ أَوْ إحْرَامٍ حَيْثُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ بِالسُّكُوتِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَمْ يَحْرُمْ مُطْلَقًا وَلَا مُتَعَلِّقًا بِاخْتِيَارِهَا بَلْ مَعَ ذَلِكَ الْعَارِضِ الَّذِي عَرَضَ لَا بِاخْتِيَارِهَا الْمُنْقَضِي عَادَةً بِلَا اخْتِيَارِهَا.

(قَوْلُهُ: وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ) يَعْنِي مِنْ عَدَمِ لِزُمُومِهِ الْوَلَدَ، وَإِنْ اعْتَرَفَ بِالْوَطْءِ مَا لَمْ يَدَّعِهِ (حُكْمٌ) أَيْ فِي الْقَضَاءِ: يَعْنِي لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنْهُ بِلَا دَعْوَةٍ، فَأَمَّا الدِّيَانَةُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ فَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنْ كَانَ حِينَ وَطِئَهَا لَمْ يَعْزِلْ عَنْهَا وَحَصَّنَهَا عَنْ مَظَانِّ رِيبَةِ الزِّنَا يَلْزَمُهُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَدَّعِيَهُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ كَوْنُهُ مِنْهُ، وَالْعَمَلُ بِالظَّاهِرِ وَاجِبٌ، وَإِنْ كَانَ عَزَلَ عَنْهَا حَصَّنَهَا أَوَّلًا أَوْ لَمْ يَعْزِلْ وَلَكِنْ لَمْ يُحَصِّنْهَا فَتَرَكَهَا تَدْخُلُ وَتَخْرُجُ بِلَا رَقِيبٍ مَأْمُونٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ (لِأَنَّ هَذَا الظَّاهِرَ) وَهُوَ كَوْنُهُ مِنْهُ بِسَبَبِ أَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ زِنَا الْمُسْلِمَةِ (يُقَابِلُهُ) أَيْ يُعَارِضُهُ (ظَاهِرٌ آخَرُ) وَهُوَ كَوْنُهُ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِوُجُودِ أَحَدِ الدَّلِيلَيْنِ عَلَى ذَلِكَ وَهُمَا الْعَزْلُ أَوْ عَدَمُ التَّحْصِينِ، وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ لَفْظَةَ أَوْ فِي قَوْلِهِ، وَإِنْ عَزَلَ عَنْهَا أَوْ لَمْ يُحَصِّنْهَا أَوْلَى مِنْ الْوَاوِ لِتَنْصِيصِهَا عَلَى الْمُرَادِ. وَصَرَّحَ فِي الْمَبْسُوطِ بِذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: فَأَمَّا إذَا عَزَلَ عَنْهَا أَوْ لَمْ يُحَصِّنْهَا فَلَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ. اهـ.

وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ كَوْنَهُ مِنْ غَيْرِهِ عِنْدَ ضَبْطِهِ الْعَزْلَ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا ظُهُورُ كَوْنِهِ مِنْ غَيْرِهِ إذَا أَفْضَى إلَيْهَا وَلَمْ يَعْزِلْ عَنْهَا مَحِلُّ نَظَرٍ، بَلْ أَوْرَدَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ عَلَّلَ وُجُوبَ الْغُسْلِ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ بِأَنَّهُ سَبَبُ الْإِنْزَالِ وَنَفْسُهُ يَتَغَيَّبُ عَنْ بَصَرِهِ، وَقَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ لِقِلَّتِهِ فَيُقَامُ مَقَامَهُ فَيَقْتَضِي هَذَا ثُبُوتَ النَّسَبِ بَعْدَ الْوَطْءِ، وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ، وَإِلَّا تَنَاقَضَ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا أَحَدَ يَقُولُ بِثُبُوتِ نَسَبِ مَا تَأْتِي بِهِ الْأَمَةُ بِمُجَرَّدِ غَيْبُوبَةِ الْحَشَفَةِ بِلَا إنْزَالٍ، بَلْ إنَّهُ يَثْبُتُ عَزَلَ عَنْهَا أَوْ لَمْ يَعْزِلْ، وَهَذَا فَرْعُ الْإِنْزَالِ.

وَحِينَئِذٍ فَالْمَذْكُورُ فِي الْغُسْلِ بَيَانُ حِكْمَةِ النَّصِّ فَإِنَّهُ قَدْ نَصَّ عَلَى إيجَابِ الْغُسْلِ بِمُجَرَّدِ الْإِيلَاجِ فَظَهَرَ مِنْ الشَّرْعِ فِيهِ غَايَةُ الِاحْتِيَاطِ، وَلَمْ يَثْبُتْ مِنْ الشَّرْعِ مِثْلُهُ فِي الِاسْتِلْحَاقِ، بَلْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَلْحَقَ نَسَبُ مَنْ لَيْسَ مِنْهُ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>