للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَإِنْ) (جَاءَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِوَلَدٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ بِغَيْرِ إقْرَارِ) مَعْنَاهُ بَعْدَ اعْتِرَافٍ مِنْهُ بِالْوَلَدِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ بِدَعْوَى الْوَلَدِ الْأَوَّلِ تَعَيَّنَ الْوَلَدُ مَقْصُودًا مِنْهَا فَصَارَتْ فِرَاشًا كَالْمَعْقُودَةِ (إلَّا أَنَّهُ إذَا نَفَاهُ يَنْتَفِي بِقَوْلِهِ)؛ لِأَنَّ فِرَاشَهَا ضَعِيفٌ حَتَّى يَمْلِكَ نَقْلَهُ بِالتَّزْوِيجِ، بِخِلَافِ الْمَنْكُوحَةِ حَيْثُ لَا يَنْتَفِي الْوَلَدُ بِنَفْيِهِ إلَّا بِاللِّعَانِ؛ لِتَأَكُّدِ الْفِرَاشِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ إبْطَالَهُ بِالتَّزْوِيجِ،

عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَعْزِلُ عَنْ جَارِيَتِهِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ أَسْوَدَ فَشَقَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مِمَّنْ هُوَ؟ فَقَالَتْ: مِنْ رَاعَى الْإِبِلِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَلَمْ يَلْتَزِمْهُ.

وَأَسْنَدَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي جَارِيَةً فَحَمَلَتْ فَقَالَ: لَيْسَ مِنِّي إنِّي أَتَيْتهَا إتْيَانًا لَا أُرِيدُ بِهِ الْوَلَدَ. وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ كَانَ يَطَأُ جَارِيَةً فَارِسِيَّةً وَيَعْزِلُ عَنْهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَأَعْتَقَ الْوَلَدَ وَجَلَدَهَا. وَعَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَهَا: مِمَّنْ حَمَلْت؟ فَقَالَتْ مِنْك، فَقَالَ: كَذَبْت مَا وَصَلَ إلَيْك مَا يَكُونُ مِنْهُ الْحَمْلُ وَلَمْ يَلْتَزِمْهُ مَعَ اعْتِرَافِهِ بِوَطْئِهَا. وَالْمَرْوِيُّ عَنْ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ: إنَّهُ يَلْحَقُ بِالْوَاطِئِ مُطْلَقًا جَازَ لِكَوْنِهِ عَلِمَ مِنْ بَعْضِهِمْ إنْكَارَ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِلْحَاقُهُ، وَذَلِكَ أَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ الْوَاطِئَ إذَا لَمْ يَعْزِلْ وَحَصَّنَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ الِاعْتِرَافُ بِهِ. فَقَدْ يَكُونُ عَلِمَ مِنْ النَّاسِ إنْكَارَ أَوْلَادِ الْإِمَاءِ مُطْلَقًا فَقَالَ لَهُمْ إنِّي مُلْحِقٌ بِكُمْ إيَّاهُمْ مُطْلَقًا، وَأَمَّا مَنْ عُلِمَ مِنْهُ الِاعْتِدَالُ فِي الْأَمْرِ بِأَنْ يَعْتَرِفَ بِمِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاعْتِرَافُ بِهِ وَيَنْفِيَ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ نَفْيُهُ أَوْ يَجُوزُ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَرَّضُ لَهُ.

(قَوْلُهُ: فَإِنْ جَاءَتْ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ أَنْ اعْتَرَفَ بِوَلَدِهَا الْأَوَّلِ (بِوَلَدٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ بِغَيْرِ إقْرَارٍ)؛ لِأَنَّهُ بِالِاعْتِرَافِ بِالْوَلَدِ الْأَوَّلِ تَبَيَّنَ كَوْنُ الْوَلَدِ مَقْصُودًا مِنْ الْوَطْءِ فَصَارَتْ فِرَاشًا، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْأَوْلَى فِي تَعْرِيفِ الْفِرَاشِ كَوْنُ الْمَرْأَةِ مَقْصُودًا مِنْ وَطْئِهَا الْوَلَدُ ظَاهِرًا كَمَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ، فَإِنَّهُ إذَا اعْتَرَفَ بِهِ ظَهَرَ قَصْدُهُ إلَى ذَلِكَ أَوْ وَضْعًا شَرْعِيًّا كَالْمَنْكُوحَةِ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الْوَلَدَ يَثْبُتُ نَسَبُ مَا تَأْتِي بِهِ فَإِنَّمَا حِينَئِذٍ تَكُونُ مُتَعَيَّنَةً لِثُبُوتِ نَسَبِ مَا تَأْتِي بِهِ وَهُوَ الَّذِي عَرَّفُوا بِهِ الْفِرَاشَ وَظَهَرَ أَنْ لَيْسَ الْفُرُشُ ثَلَاثَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ بَلْ فِرَاشَانِ: قَوِيٌّ وَهُوَ فِرَاشُ الْمَنْكُوحَةِ، وَضَعِيفٌ وَهُوَ فِرَاشُ أُمِّ الْوَلَدِ بِسَبَبِ أَنَّ وَلَدَهَا، وَإِنْ ثَبَتَ نَسَبُهُ بِلَا دَعْوَةٍ يَنْتَفِي نَسَبُهُ بِمُجَرَّدِ نَفْيِهِ، بِخِلَافِ الْمَنْكُوحَةِ لَا يَنْتَفِي نَسَبُ وَلَدِهَا إلَّا بِاللِّعَانِ.

وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا تَقَدَّمَ فَقَالَ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ لَيْسَتْ بِفِرَاشٍ لِمَوْلَاهَا، وَذَلِكَ لِعَدَمِ صِدْقِ حَدِّ الْفِرَاشِ عَلَيْهَا وَهُوَ كَوْنُ الْمَرْأَةِ مُتَعَيَّنَةً لِثُبُوتِ نَسَبِ مَا تَأْتِي بِهِ أَوْ كَوْنَهَا يُقْصَدُ بِوَطْئِهَا الْوَلَدُ إلَى آخِرِ مَا قُلْنَاهُ، وَمِنْ الدَّلَالَةِ عَلَى ضَعْفِهِ كَوْنُهُ يَمْلِكُ نَقْلَهُ بِالتَّزْوِيجِ، بِخِلَافِ الْمَنْكُوحَةِ، وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ اعْتَرَفَ فَقَالَ كُنْت أَطَأُ بِقَصْدِ الْوَلَدِ عِنْدَ مَجِيئِهَا بِالْوَلَدِ أَنْ يَثْبُتَ نَسَبُ مَا أَتَتْ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ هُوَ وَلَدِي؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ بِقَوْلِهِ هُوَ وَلَدِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ وَطْأَهُ حِينَئِذٍ بِقَصْدِ الْوَلَدِ. وَعَلَى هَذَا قَالَ بَعْضُ فُضَلَاءِ الدَّرْسِ: يَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ لَا يَعْزِلُ عَنْهَا وَحَصَّنَهَا أَنْ يَثْبُتَ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى دَعْوَاهُ، وَإِنْ كُنَّا نُوجِبُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الِاعْتِرَافَ بِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ يُوجِبَ عَلَيْهِ الِاعْتِرَافَ؛ لِيَعْتَرِفَ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ بَلْ يَثْبُتُ ابْتِدَاءً، وَأَظُنُّ أَنْ لَا بُعْدَ فِي أَنْ يُحْكَمَ عَلَى الْمَذْهَبِ بِذَلِكَ.

وَفِي الْمَبْسُوطِ: إنَّمَا يَمْلِكُ نَفْيَهُ: أَيْ نَفْيَ وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ إذَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِهِ أَوْ لَمْ يَتَطَاوَلْ الزَّمَانُ، فَأَمَّا بَعْدَ الْقَضَاءِ فَقَدْ لَزِمَهُ بِالْقَضَاءِ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ، وَالتَّطَاوُلُ دَلِيلُ إقْرَارِهِ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ مِنْهُ فِيهَا دَلِيلُ إقْرَارِهِ مِنْ قَبُولِهِ التَّهْنِئَةَ وَنَحْوِهِ فَيَكُونُ

<<  <  ج: ص:  >  >>