وَلَوْ اسْتَوْلَدَهَا بِمِلْكِ يَمِينٍ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ ثُمَّ مَلَكَهَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ عِنْدَنَا، وَلَهُ فِيهِ قَوْلَانِ وَهُوَ وَلَدُ الْمَغْرُورِ. لَهُ أَنَّهَا عَلِقَتْ بِرَقِيقٍ فَلَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ كَمَا إذَا عَلِقْت مِنْ الزِّنَا ثُمَّ مَلَكَهَا الزَّانِي، وَهَذَا؛ لِأَنَّ أُمُومِيَّةَ الْوَلَدِ بِاعْتِبَارِ عُلُوقِ الْوَلَدِ حُرًّا؛ لِأَنَّهُ جُزْءُ الْأُمِّ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَالْجُزْءُ لَا يُخَالِفُ الْكُلَّ.
وَلَنَا أَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْجُزْئِيَّةُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ، وَالْجُزْئِيَّةُ إنَّمَا تَثْبُتُ بَيْنَهُمَا بِنِسْبَةِ الْوَلَدِ الْوَاحِدِ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمُلَا وَقَدْ ثَبَتَ النَّسَبُ
لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ (وَهُوَ وَلَدُ الْمَغْرُورِ) وَهُوَ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ (قَوْلُهُ: لَهُ) أَيْ لِلشَّافِعِيِّ (أَنَّهَا عَلِقَتْ بِرَقِيقٍ فَلَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ كَمَا إذَا عَلِقَتْ مِنْ الزِّنَا ثُمَّ مَلَكَهُ الزَّانِي، وَهَذَا؛ لِأَنَّ أُمُومَةَ الْوَلَدِ بِاعْتِبَارِ عُلُوقِ الْوَلَدِ حُرًّا)، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّ الْأُمُومَةَ بِاعْتِبَارِ عُلُوقِ الْوَلَدِ حُرًّا (؛ لِأَنَّهُ جُزْءُ الْأُمِّ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَالْجُزْءُ لَا يُخَالِفُ الْكُلَّ) وَهُوَ حُرٌّ، فَلَا بُدَّ أَنْ تَسْتَحِقَّ هِيَ الْحُرِّيَّةَ.
وَاعْتَرَضَ مَنْ قَصُرَ نَظَرُهُ عَلَى خُصُوصِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّ الرِّقَّ فِي أُمِّ الْوَلَدِ مُسْتَمِرٌّ إلَى مَوْتِ سَيِّدِهَا، وَالْوَلَدُ عَلِقَ حُرًّا فَقَدْ خَالَفَ الْجُزْءُ الْكُلَّ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مُنْفَصِلٌ وَلَيْسَ كَالْمُتَّصِلِ، وَتَمَامُ تَقْرِيرِ الْمَذْكُورِ يَدْفَعُ هَذَا الِاعْتِرَاضَ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ اقْتِصَارًا لِلْعِلْمِ بِبَقِيَّةِ التَّقْرِيرِ.
وَحَاصِلُ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ أَنَّ جُزْأَهَا حُرٌّ وَمُقْتَضَاهُ حُرِّيَّتُهَا، إذْ لَا يُخَالِفُ الْجُزْءُ الْكُلَّ، إلَّا أَنَّ الِاتِّصَالَ بِعَرْضِيَّةِ الِانْفِصَالِ، وَالْوَلَدُ وَإِنْ كَانَ جُزْءًا حَالَةَ الِاتِّصَالِ لَكِنَّهُ جُعِلَ كَشَخْصٍ عَلَى حِدَةٍ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ حَتَّى جَازَ إعْتَاقُهُ دُونَهَا فَثَبَتَ بِهِ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ عَمَّلَا بِشَبَهَيْ الْجُزْئِيَّةِ وَعَدَمِهَا؛ لِمَا بَقِيَ مِنْهَا فِي الْحَالِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ إذَا عَلِقَتْ بِرَقِيقٍ، وَتَأَيَّدَ هَذَا بِقَوْلِهِ ﷺ «أَيُّمَا أَمَةٍ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَهِيَ حُرَّةٌ بَعْدَ مَوْتِهِ» وَتَقَدَّمَ الْحَدِيثُ فَشَرَطَ فِي ثُبُوتِ حَقِّ الْعِتْقِ أَنْ تَلِدَ مِنْ سَيِّدِهَا، وَهَذِهِ وَلَدَتْ مِنْ زَوْجِهَا. (وَلَنَا أَنَّ سَبَبَ الْأُمُومَةِ) فِي مَحَلِّ الْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْأَصْلُ (هُوَ الْجُزْئِيَّةُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ) يَعْنِي عِنْدَ قَوْلِهِ أَوَّلَ الْبَابِ؛ وَلِأَنَّ الْجُزْئِيَّةَ قَدْ حَصَلَتْ بَيْنَ الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءَةِ بِسَبَبِ الْوَلَدِ (وَالْجُزْئِيَّةُ إنَّمَا ثَبَتَتْ بَيْنَهُمَا بِنِسْبَةِ الْوَلَدِ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا كَمُلَا) فَتَثْبُتُ الْجُزْئِيَّةُ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ النَّسَبِ، فَثُبُوتُ اسْتِحْقَاقِ الْحُرِّيَّةِ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute