وَالشَّافِعِيُّ ﵀ يُخَالِفُنَا فِي ذَلِكَ، وَسَنُبَيِّنُ فِي الْإِكْرَاهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
(وَمَنْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا فَهُوَ سَوَاءٌ)؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْحَقِيقِيَّ لَا يَنْعَدِمُ بِالْإِكْرَاهِ وَهُوَ الشَّرْطُ، وَكَذَا إذَا فَعَلَهُ وَهُوَ مَغْمِيٌّ عَلَيْهِ أَوْ مَجْنُونٌ لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ حَقِيقَةً، وَلَوْ كَانَتْ الْحِكْمَةُ رَفْعَ الذَّنْبِ فَالْحُكْمُ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِهِ وَهُوَ الْحِنْثُ لَا عَلَى حَقِيقَةِ الذَّنْبِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. .
لَمْ يَقْصِدْهُ أَصْلًا بَلْ هُوَ كَالنَّائِمِ يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ طَلَاقٌ أَوْ عَتَاقٌ لَا حُكْمَ لَهُ أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا حُكْمُ الْيَمِينِ. وَأَيْضًا فَتَفْسِيرُ اللَّغْوِ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ ﵂ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ أَنَّهُ كَلَامُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ كَلًّا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ»، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ نَفْسُ التَّفْسِيرِ الَّذِي فَسَّرُوا بِهِ النَّاسِيَ فَإِنَّ الْمُتَكَلِّمَ كَذَلِكَ فِي بَيْتِهِ لَا يَقْصِدُ التَّكَلُّمَ بِهِ بَلْ يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ بِحُكْمِ الْعَادَةِ غَيْرُ مُرَادٍ لَفْظُهُ وَلَا مَعْنَاهُ.
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إيَّاهُ كَانَ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ الْهَازِلِ، فَحَمْلُ النَّاسِي عَلَى اللَّاغِي بِالتَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْهَازِلِ، وَهَذَا الَّذِي أُدِينُهُ وَتَقَدَّمَ لَنَا مِثْلُهُ فِي الطَّلَاقِ فَلَا تَكُنْ غَافِلًا. (قَوْلُهُ: وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِي ذَلِكَ) فَيَقُولُ لَا تَنْعَقِدُ يَمِينُ الْمُكْرَهِ وَلَا النَّاسِي وَلَا الْمُخْطِئِ لِلْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَسَنُبَيِّنُ ذَلِكَ فِي الْإِكْرَاهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ لِلشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ ﵄ فِي عَدَمِ انْعِقَادِ يَمِينِ الْمُكْرَهِ بِمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ وَأَبِي أُمَامَةَ قَالَا: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَيْسَ عَلَى مَقْهُورٍ يَمِينٌ» ثُمَّ قَالَ عَنْبَسَةُ ضَعِيفٌ. قَالَ صَاحِبُ تَنْقِيحِ التَّحْقِيقِ: حَدِيثٌ مُنْكَرٌ بَلْ مَوْضُوعٌ، وَفِيهِ جَمَاعَةٌ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِمْ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا فَهُوَ سَوَاءٌ) فَتَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَمَا لَوْ فَعَلَهُ ذَاكِرًا لِيَمِينِهِ مُحْتَارًا. وَعَنْ كُلٍّ مِنْ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ رِوَايَتَانِ يَحْنَثُ وَلَا يَحْنَثُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ مَرَّ جَوَابُهُ فِي طَلَاقِ الْمُكْرَهِ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ، وَهَذَا (لِأَنَّ الْفِعْلَ الْحَقِيقِيَّ لَا يَنْعَدِمُ بِالْإِكْرَاهِ وَهُوَ الشَّرْطُ) يَعْنِي بِالشَّرْطِ السَّبَبَ لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ الْحِنْثَ هُوَ السَّبَبُ عِنْدَنَا، وَإِنَّمَا يُنَاسِبُ حَقِيقَةَ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ عِنْدَهُ الْيَمِينُ وَالْحِنْثُ شَرْطٌ عَلَى مَا عُرِفَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوُجُوبَ يَثْبُتُ عِنْدَهُ سَبَبًا كَانَ أَوْ شَرْطًا وَبِالنِّسْيَانِ وَالْإِكْرَاهِ لَمْ يَنْعَدِمْ وُجُودُهُ فَاسْتَعْقَبَ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ. (وَكَذَا إذَا فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَهُوَ مُغْمَى عَلَيْهِ أَوْ مَجْنُونٌ) تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute