للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ: (وَالْقَاصِدُ فِي الْيَمِينِ وَالْمُكْرَهِ وَالنَّاسِي سَوَاءٌ) حَتَّى تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِقَوْلِهِ «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالْيَمِينُ»

رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَهُوَ مَعْنَى مَا رَوَى صَاحِبُ السُّنَنِ عَنْ عَائِشَةَ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَهُوَ كَلَامُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ كَلًّا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ». وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَمَسْرُوقٌ: لَغْوُ الْيَمِينِ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى مَعْصِيَةٍ فَيَتْرُكُهَا لَاغِيًا بِيَمِينِهِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَنْ يُحَرِّمَ عَلَى نَفْسِهِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ. فَلَمَّا اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى اللَّغْوِ عَلَّقَهُ بِالرَّجَاءِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّ اللَّغْوَ بِالتَّفْسِيرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَكَذَا بِالثَّالِثِ مُتَّفَقٌ عَلَى عَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَكَذَا فِي الدُّنْيَا بِالْكَفَّارَةِ فَلَمْ يَتِمَّ الْعُذْرُ عَنْ التَّعْلِيقِ بِالرَّجَاءِ، فَالْأَوْجُهُ مَا قِيلَ إنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ التَّعْلِيقَ بَلْ التَّبَرُّكَ بِاسْمِ اللَّهِ وَالتَّأَدُّبَ فَهُوَ كَقَوْلِهِ لِأَهْلِ الْمَقَابِرِ: «وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ». وَأَمَّا التَّفْسِيرُ الرَّابِعُ فَغَيْرُ مَشْهُورٍ، وَكَوْنُهُ لَغْوًا هُوَ اخْتِيَارُ سَعِيدٍ.

(قَوْلُهُ: وَالْقَاصِدُ فِي الْيَمِينِ وَالْمُكْرَهِ عَلَيْهِ وَالنَّاسِي) وَهُوَ مَنْ تَلَفَّظَ بِالْيَمِينِ ذَاهِلًا عَنْهُ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَلَفَّظَ بِهِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: الْخَاطِئُ وَهُوَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامِ غَيْرِ الْحَلِفِ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ الْيَمِينُ، فَإِذَا حَنِثَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ.

(لِقَوْلِهِ «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ وَالْيَمِينُ») هَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَبَعْضُهُمْ كَصَاحِبِ الْخُلَاصَةِ جَعَلَ مَكَانَ الْيَمِينِ الْعَتَاقَ، وَالْمَحْفُوظُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ «عَنْ النَّبِيِّ ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالرَّجْعَةُ» وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَدْ وَرَدَ حَدِيثُ الْعَتَاقِ فِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ مَنْ طَلَّقَ وَهُوَ لَاعِبٌ فَطَلَاقُهُ جَائِزٌ، وَمَنْ أَعْتَقَ وَهُوَ لَاعِبٌ فَعِتْقُهُ جَائِزٌ» وَرَوَى ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «عَنْ النَّبِيِّ قَالَ ثَلَاثٌ لَيْسَ فِيهِنَّ لَعِبٌ مَنْ تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ مِنْهُنَّ لَاعِبًا فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالنِّكَاحُ» وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ مَوْقُوفًا أَنَّهُمَا قَالَا «ثَلَاثٌ لَا لَعِبَ فِيهِنَّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالْعَتَاقُ» وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُمَا " أَرْبَعٌ " وَزَادَ " وَالنَّذْرُ " وَلَا شَكَّ أَنَّ الْيَمِينَ فِي مَعْنَى النَّذْرِ فَيُقَاسَ عَلَيْهِ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ حَدِيثُ الْيَمِينِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلِيلٌ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ جَعْلُ الْهَزْلَ بِالْيَمِينِ جِدًّا، وَالْهَازِلُ قَاصِدٌ لِلْيَمِينِ غَيْرُ رَاضٍ بِحُكْمِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ عَدَمُ رِضَاهُ بِهِ شَرْعًا بَعْدَ مُبَاشَرَتِهِ السَّبَبَ مُخْتَارًا، وَالنَّاسِي بِالتَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا أَصْلًا وَلَمْ يَدْرِ مَا صَنَعَ، وَكَذَا الْمُخْطِئُ لَمْ يَقْصِدْ قَطُّ التَّلَفُّظَ بِهِ بَلْ بِشَيْءٍ آخَرَ فَلَا يَكُونُ الْوَارِدُ فِي الْهَازِلِ وَارِدًا فِي النَّاسِي الَّذِي لَمْ يَقْصِدْ قَطُّ مُبَاشَرَةَ السَّبَبِ فَلَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ نَصًّا وَلَا قِيَاسًا، وَإِذَا كَانَ اللَّغْوُ بِتَفْسِيرِهِمْ وَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ الْيَمِينَ مَعَ ظَنِّ الْبِرِّ لَيْسَ لَهَا حُكْمُ الْيَمِينِ، فَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>