. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَالرَّحِيمِ وَالْقَدِيرِ، وَمِنْهُ وَاَلَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ. وَرَبِّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَرَبِّ الْعَالَمِينَ وَمَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ وَالْأَوَّلِ الَّذِي لَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ وَالْآخَرِ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ، وَإِذَا قَالُوا فِي قَوْلِهِ وَالطَّالِبُ الْغَالِبُ إنَّهُ يَمِينٌ؛ لِأَنَّهُ تَعَارَفَ أَهْلُ بَغْدَادَ الْحَلِفَ بِهِ لَزِمَ. إمَّا اعْتِبَارُ الْعُرْفِ فِيمَا لَمْ يُسْمَعْ مِنْ الْأَسْمَاءِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَإِنَّ الطَّالِبَ لَمْ يُسْمَعْ بِخُصُوصِهِ بَلْ الْغَالِبُ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ﴾ وَإِمَّا كَوْنُهُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الْمُفَصَّلِ فِي الْأَسْمَاءِ، وَيُفِيدُ قَوْلُهُ آخَرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ اسْمًا خَاصًّا، فَلَوْ قَالَ وَاسْمِ اللَّهِ فَهُوَ عَامٌّ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ يَمِينًا، وَالْمَنْقُولُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ لَيْسَ بِيَمِينٍ. وَفِي الْمُنْتَقَى رِوَايَةُ ابْنِ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَمِينٌ فَلْيُتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى.
وَلَوْ قَالَ وَبِاسْمِ اللَّهِ يَكُونُ يَمِينًا ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْخُلَاصَةِ. وَقَوْلُهُ أَوْ بِصِفَةِ مِنْ صِفَاتِهِ الَّتِي يُحْلَفُ بِهَا عُرْفًا قَيَّدَ فِي الصِّفَةِ فَقَطْ، فَأَفَادَ أَنَّ الْحَلِفَ بِالِاسْمِ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْعُرْفِ بَلْ هُوَ يَمِينٌ تَعَارَفُوهُ أَوْ لَمْ يَتَعَارَفُوهُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ. وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: كُلُّ اسْمٍ لَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُ اللَّهِ كَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ فَهُوَ يَمِينٌ، وَمَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى كَالْحَكِيمِ وَالْعَلِيمِ وَالْقَادِرِ وَالْعَزِيزِ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ يَمِينًا فَهُوَ يَمِينٌ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ فَلَيْسَ يَمِينًا، وَرَجَّحَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُسْتَعْمَلًا لِلَّهِ ﷾ وَلِغَيْرِهِ لَا يَتَعَيَّنُ إرَادَةُ أَحَدِهِمَا إلَّا بِالنِّيَّةِ.
وَأَمَّا الصِّفَةُ فَالْمُرَادُ بِهَا اسْمُ الْمَعْنَى الَّذِي لَا يَتَضَمَّنُ ذَاتًا وَلَا يَحْمِلُ عَلَيْهَا بِهُوَ هُوَ كَالْعِزَّةِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ، بِخِلَافِ نَحْوِ الْعَظِيمِ فَقَيَّدَهُ بِكَوْنِ الْحَلِفِ بِهَا مُتَعَارَفًا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ أَوْ الذَّاتِ، وَهُوَ قَوْلُ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ، وَلِهَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي قَوْلِهِمْ: وَأَمَانَةُ اللَّهِ أَنَّهُ يَمِينٌ، ثُمَّ سُئِلَ عَنْ مَعْنَاهُ فَقَالَ لَا أَدْرِي؛ لِأَنَّهُ رَآهُمْ يَحْلِفُونَ بِهِ فَحَكَمَ بِأَنَّهُ يَمِينٌ.
وَوَجْهُهُ أَنَّهُ أَرَادَ مَعْنَى وَاَللَّهِ الْأَمِينِ، فَالْمُرَادُ الْأَمَانَةُ الَّتِي تَضَمَّنَتْهَا لَفْظَةُ الْأَمِينِ كَعِزَّةِ اللَّهِ الَّتِي هِيَ ضِمْنُ الْعَزِيزِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا فَعَدَمُ كَوْنِ وَعِلْمِ اللَّهِ وَغَضَبَهُ وَسَخَطَهُ وَرَحْمَتِهِ يَمِينًا لِعَدَمِ التَّعَارُفِ، وَيَزْدَادُ الْعِلْمُ بِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْمَعْلُومُ. فَقَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي الْمُعِينِ فِي تَبْصِرَةِ الْأَدِلَّةِ: إنَّ الْحَلِفَ بِالْعِلْمِ وَالرَّحْمَةِ وَالْغَضَبِ مَشْرُوعٌ إنْ كَانَ مُرَادُهُ الصِّفَةَ الْقَائِمَةَ بِهِ فَلَيْسَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ، بَلْ هُوَ عَلَى مُحَاذَاةِ قَوْلِ الْقَائِلِينَ فِي الْأَسْمَاءِ: إنَّ مَا كَانَ بِحَيْثُ يُسَمَّى بِهِ اللَّهُ تَعَالَى وَغَيْرُهُ إنْ أَرَادَ بِهِ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ يَمِينًا وَإِلَّا لَا، فَجَعَلَ مِثْلَهُ فِي الصِّفَاتِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ الدَّلَالَةِ عَلَى الذَّاتِ إنْ أُرِيدَ صِفَتُهُ الْقَائِمَةِ بِهِ فَهُوَ يَمِينٌ وَإِلَّا لَا. لَا يُقَالُ: مُقْتَضَى هَذَا أَنْ يَجْرِيَ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ مِثْلُهُ، إنْ أُرِيدَ بِهِ الصِّفَةَ كَانَ يَمِينًا أَوْ الْمَقْدُورُ عَلَى أَنْ يُرَادَ بِالْمَصْدَرِ الْمَفْعُولَ أَوْ الْمَصْدَرَ وَيَكُونُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ: أَيْ أَثَرِ قُدْرَتِهِ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَلَيْسَ الْمَذْهَبُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّمَا اُعْتُبِرَ ذَلِكَ فِيمَا لَمْ يُتَعَارَفْ الْحَلِفُ بِهِ وَقُدْرَةُ اللَّهِ الْحَلِفُ بِهَا مُتَعَارَفٌ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْحَلِفِ بِلَا تَفْصِيلٍ فِي الْإِرَادَةِ. وَلِمَشَايِخِ الْعِرَاقِ تَفْصِيلٌ آخَرُ هُوَ أَنَّ الْحَلِفَ بِصِفَاتِ الذَّاتِ يَكُونُ يَمِينًا أَوْ بِصِفَاتِ الْفِعْلِ لَا يَكُونُ يَمِينًا، وَصِفَاتُ الذَّاتِ مَا يُوصَفُ سُبْحَانَهُ بِهَا وَلَا يُوصَفُ بِأَضْدَادِهَا كَالْقُدْرَةِ وَالْجَلَالِ وَالْكَمَالِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ وَالْعِزَّةِ.
وَصِفَاتُ الْفِعْلِ مَا يَصِحُّ أَنْ يُوصَفَ بِهَا وَبِأَضْدَادِهَا كَالرَّحْمَةِ وَالرِّضَا لِوَصْفِهِ سُبْحَانَهُ بِالْغَضَبِ وَالسَّخَطِ. وَقَالُوا: ذِكْرُ صِفَاتِ الذَّاتِ كَذِكْرِ الذَّاتِ، وَذِكْرُ صِفَاتِ الْفِعْلِ لَيْسَ كَالذَّاتِ. قِيلَ يَقْصِدُونَ بِهَذَا الْفَرْقِ الْإِشَارَةَ إلَى مَذْهَبِهِمْ أَنَّ صِفَاتِ الْفِعْلِ غَيْرُ اللَّهِ. وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّ صِفَاتِ اللَّهِ لَا هُوَ وَلَا غَيْرُهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْغَيْرَ هُوَ مَا يَصِحُّ انْفِكَاكُهُ بِزَمَانٍ أَوْ بِمَكَانٍ أَوْ بِوُجُودٍ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا اصْطِلَاحٌ مَحْضٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُبْتَنَى الْفِقْهُ بِاعْتِبَارِهِ. وَظَاهِرُ قَوْلِ هَؤُلَاءِ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالْعُرْفِ وَعَدَمِهِ، بَلْ صِفَةُ الذَّاتِ مُطْلَقًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute