للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ (إلَّا قَوْلَهُ وَعِلْمِ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ. وَلِأَنَّهُ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْمَعْلُومُ، يُقَالُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ عِلْمَك فِينَا: أَيْ مَعْلُومَك (وَلَوْ) (قَالَ وَغَضَبِ اللَّهِ وَسَخَطِهِ لَمْ يَكُنْ حَالِفًا) وَكَذَا وَرَحْمَةِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ بِهَا غَيْرُ مُتَعَارَفٍ؛ وَلِأَنَّ الرَّحْمَةَ قَدْ يُرَادُ بِهَا أَثَرُهُ، وَهُوَ الْمَطَرُ أَوْ الْجَنَّةُ وَالْغَضَبُ وَالسَّخَطُ يُرَادُ بِهِمَا الْعُقُوبَةُ

يُحْلَفُ بِهَا تُعُورِفَ أَوْ لَا، وَصِفَةُ الْفِعْلِ لَا يُحْلَفُ بِهَا وَلَوْ تُعُورِفَ، وَعَلَى هَذَا فَيَلْزَمُ أَنَّ سَمْعَ اللَّهِ وَبَصَرَهُ وَعِلْمَهُ يَكُونُ يَمِينًا عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ، وَعَلَى اعْتِبَارِ الْعُرْفِ لَا يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتَعَارَفْ الْحَلِفُ بِهَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْأَسْمَاءُ الَّتِي لَا يُسَمَّى بِهَا غَيْرُهُ كَرَبِّ الْعَالَمِينَ وَالرَّحْمَنِ وَمَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إلَى آخِرِ مَا قَدَّمْنَا أَوَّلَ الْبَابِ يَكُونُ الْحَلِفُ بِهَا يَمِينًا بِكُلِّ حَالٍ، وَكَذَا الصِّفَاتُ الَّتِي لَا تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ غَيْرَ صِفَاتِهِ كَعِزَّةِ اللَّهِ وَعَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَكَلَامِهِ فَيَنْعَقِدُ بِهَا الْيَمِينُ بِكُلِّ حَالٍ وَلَا حَاجَةَ إلَى عُرْفٍ فِيهَا، بِخِلَافِ الْأَسْمَاءِ الَّتِي تُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهِ تَعَالَى كَالْحَيِّ وَالْمُؤْمِنِ وَالْكَرِيمِ يُعْتَبَرُ فِيهَا الْعُرْفُ أَوْ نِيَّةُ الْحَالِفِ، وَكَذَا مَا يَكُونُ مِنْ صِفَتِهِ تَعَالَى كَعِلْمِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ فَإِنَّهُ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَقْدُورِ وَالْمَعْلُومِ اتِّسَاعًا. كَمَا يُقَالُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ عِلْمَك فِينَا، وَكَذَا صِفَاتُ الْفِعْلِ كَخَلْقِهِ وَرِزْقِهِ، فَفِي هَذِهِ يَجْرِي التَّعْلِيلُ بِالتَّعَارُفِ وَعَدَمِهِ، وَوَجْهُ اللَّهِ يَمِينٌ إلَّا إنْ أَرَادَ الْجَارِحَةَ.

(قَوْلُهُ إلَّا قَوْلُهُ وَعِلْمُ اللَّهِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ لَكِنْ قَيَّدَ هُنَاكَ بِقَوْلِهِ الَّتِي يَحْلِفُ بِهَا عُرْفًا فَيَقْتَضِي أَنَّ عِلْمَهُ مِمَّا يُحْلَفُ بِهِ عُرْفًا فَيَتَنَاوَلُهُ الصَّدْرُ فَأَخْرَجَهُ مِنْ حُكْمِهِ بَعْدَ دُخُولِهِ فِي لَفْظِهِ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَلَّلَهُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ فَكَانَ اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ. وَأَوْرَدَ عَلَى تَعْلِيلِهِ الثَّانِي الْقُدْرَةَ فَإِنَّهَا تُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهَا الْمَقْدُورُ. وَأُجِيبَ بِالْمَنْعِ فَإِنَّ الْمَقْدُورَ بِالْوُجُودِ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَقْدُورًا؛ لِأَنَّ تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ مُحَالٌ فَلَمْ يَحْتَمِلْ إرَادَتُهُ بِالْحَلِفِ. وَقِيلَ الْوُجُودُ مَعْدُومٌ وَلَا تَعَارُفَ بِالْحَلِفِ بِالْمَعْدُومِ فَلَمْ يَكْفِ الْمُرَادُ بِالْحَلِفِ بِالْقُدْرَةِ إلَّا الصِّفَةَ الْقَائِمَةَ بِذَاتِهِ تَعَالَى، بِخِلَافِ الْعِلْمِ إذَا أُرِيدَ بِهِ الْمَعْلُومُ فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ الْمَعْلُومُ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا بِالْوُجُودِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ. وَهَذَا يُوجِبُ أَنْ لَا تَصِحَّ إرَادَةُ الْمَقْدُورِ بَعْدَ الْوُجُودِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ. إمَّا وُقُوعًا فَقَالُوا اُنْظُرْ إلَى قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ قَطْعًا إلَّا الْمَوْجُودَ. وَإِمَّا تَحْقِيقًا فَلِأَنَّ الْقُدْرَةَ فِي الْمَقْدُورِ إذَا كَانَ مَجَازًا لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ مَقْدُورٌ بَعْدَ الْوُجُودِ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ فَيَكُونَ لَفْظُ قُدْرَةٍ فِي الْمَقْدُورِ بَعْدَ الْوُجُودِ مَجَازًا فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ.

نَعَمْ الْحَقُّ أَنْ لَا مَوْقِعَ لِلتَّعْلِيلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ تَفْرِيعَ كَوْنِ الْحَلِفِ بِالْعِلْمِ لَيْسَ يَمِينًا لَيْسَ إلَّا عَلَى قَوْلِ مُعْتَبَرِي الْعُرْفِ وَعَدَمِهِ فِي الْيَمِينِ، فَالتَّعْلِيلُ لَيْسَ إلَّا بِنَفْيِ التَّعَارُفِ فِيهِ، وَأَمَّا لَوْ فَرَّعَ عَلَى الْقَوْلِ الْمُفَصَّلِ بَيْنَ صِفَةِ الذَّاتِ وَغَيْرِهَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ يَمِينًا؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِأَنَّهُ يُرَادُ بِالصِّفَةِ الْمَفْعُولُ

<<  <  ج: ص:  >  >>