للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَمَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ حَالِفًا كَالنَّبِيِّ وَالْكَعْبَةِ) لِقَوْلِهِ «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَذَرْ» (وَكَذَا إذَا حَلَفَ بِالْقُرْآنِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ، قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: مَعْنَاهُ أَنْ يَقُولَ وَالنَّبِيِّ وَالْقُرْآنِ، أَمَّا لَوْ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْهُمَا يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّ التَّبَرِّي مِنْهُمَا كُفْرٌ. .

قَالَ (وَالْحَلِفُ بِحُرُوفِ الْقَسَمِ، وَحُرُوفُ الْقَسَمِ الْوَاوُ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ وَالْبَاءُ كَقَوْلِهِ بِاَللَّهِ وَالتَّاءُ كَقَوْلِهِ تَاللَّهِ) لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَعْهُودٌ فِي الْأَيْمَانِ وَمَذْكُورٌ فِي الْقُرْآنِ

عَلَى الْقَوْلَيْنِ فَلَا مَوْقِعَ لِلتَّعْلِيلِ بِهِ.

(قَوْلُهُ: مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ حَالِفًا كَالنَّبِيِّ وَالْكَعْبَةِ لِقَوْلِهِ «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ») مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ (وَكَذَا إذَا حَلَفَ بِالْقُرْآنِ)؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ. قَالَ (وَمَعْنَاهُ أَنْ يَقُولَ وَالنَّبِيِّ وَالْقُرْآنِ) أَمَّا إذَا حَلَفَ بِذَلِكَ بِأَنْ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ النَّبِيِّ وَالْقُرْآنِ كَانَ يَمِينًا؛ لِأَنَّ التَّبَرُّؤَ مِنْهُمَا كُفْرٌ فَيَكُونُ فِي كُلِّ مِنْهُمَا كَفَّارَةُ يَمِينٍ كَمَا سَيَأْتِي، وَكَذَا إذَا قَالَ هُوَ بَرِيءٌ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ يَكُونُ يَمِينًا عِنْدَنَا، وَكَذَا هُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ إنْ فَعَلَ كَذَا. وَبِحُرْمَةِ شَهِدَ اللَّهُ أَوْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لَيْسَ يَمِينًا. وَلَوْ رَفَعَ كِتَابَ فِقْهٍ أَوْ حِسَابٍ فِيهِ الْبَسْمَلَةُ فَقَالَ هُوَ بَرِيءٌ مِمَّا فِيهِ إنْ فَعَلَ فَفَعَلَ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْحَلِفَ بِالْقُرْآنِ الْآنَ مُتَعَارَفٌ فَيَكُونُ يَمِينًا كَمَا هُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَتَعْلِيلُ عَدَمِ كَوْنِهِ يَمِينًا بِأَنَّهُ غَيْرُهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ؛ لِأَنَّهُ حُرُوفٌ وَغَيْرُ الْمَخْلُوقِ هُوَ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ مُنِعَ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ مُنَزَّلٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُنَزَّلَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ إلَّا الْحُرُوفُ الْمُنْقَضِيَةُ الْمُنْعَدِمَةُ وَمَا ثَبَتَ قِدَمُهُ اسْتَحَالَ عَدَمُهُ، غَيْرَ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَوَامَّ إذَا قِيلَ لَهُمْ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ تَعَدَّوْا إلَى الْكَلَامِ مُطْلَقًا. وَأَمَّا الْحَلِفُ بِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَجِبُ أَنْ يَدُورَ مَعَ الْعُرْفِ. وَأَمَّا الْحَلِفُ بجان سرتو وَمِثْلُهُ الْحَلِفُ بِحَيَاةِ رَأْسِك وَرَأْسِ السُّلْطَانِ فَذَلِكَ إنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الْبِرَّ وَاجِبٌ فِيهِ يَكْفُرُ. وَفِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى قَالَ عَلِيُّ الرَّازِيّ: أَخَافُ عَلَى مَنْ قَالَ بِحَيَاتِي وَحَيَاتِك أَنَّهُ يَكْفُرُ، وَلَوْلَا أَنَّ الْعَامَّةَ يَقُولُونَهُ وَلَا يَعْلَمُونَ لَقُلْت إنَّهُ شِرْكٌ. وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ : لَأَنْ أَحْلِفَ بِاَللَّهِ كَاذِبًا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ صَادِقًا.

(قَوْلُهُ: وَالْحَلِفُ بِحُرُوفِ الْقَسَمِ إلَى قَوْلِهِ وَمَذْكُورٌ فِي الْقُرْآنِ) قَالَ تَعَالَى ﴿فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ﴾ ﴿وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ وَقَالَ تَعَالَى

<<  <  ج: ص:  >  >>