(وَلَوْ قَالَ أُقْسِمُ أَوْ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ أَوْ أَحْلِفُ أَوْ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ أَوْ أَشْهَدُ أَوْ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ فَهُوَ حَالِفٌ)؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْحَلِفِ وَهَذِهِ الصِّيغَةُ لِلْحَالِ حَقِيقَةً وَتُسْتَعْمَلُ لِلِاسْتِقْبَالِ بِقَرِينَةٍ فَجُعِلَ حَالِفًا فِي الْحَالِ، وَالشَّهَادَةُ يَمِينٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ﴾ ثُمَّ قَالَ ﴿اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً﴾ وَالْحَلِفُ بِاَللَّهِ هُوَ الْمَعْهُودُ الْمَشْرُوعُ وَبِغَيْرِهِ مَحْظُورٌ فَصُرِفَ إلَيْهِ. وَلِهَذَا قِيلَ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ. وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْهَا لِاحْتِمَالِ الْعِدَّةِ وَالْيَمِينِ بِغَيْرِ اللَّهِ.
شَارِحٌ بِأَنَّ الْحَقَّ بِالتَّعْرِيفِ يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهِ تَعَالَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ﴾ ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا﴾ فَكَيْفَ يَكُونُ يَمِينًا بِلَا خِلَافٍ، لَكِنَّ جَوَابَهُ أَنَّهُ إنْ نَوَى الْيَمِينَ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى يَكُونُ يَمِينًا وَإِلَّا فَلَا. انْتَهَى.
وَأَنْتَ عَلِمْت أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ كَوْنُهُ اسْمًا لَهُ تَعَالَى لَا تُعْتَبَرُ فِيهِ النِّيَّةُ وَإِنْ أُطْلِقَ عَلَى غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ الْقَوْلُ الْمُقَابِلُ لِلْمُخْتَارِ. وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْمُفَصِّلِ بَيْنَ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْيَمِينَ وَأَنْ لَا يُرِيدَ فَالْحَقُّ يَتَبَادَرُ مِنْهُ ذَاتُهُ تَعَالَى، فَصَارَ غَيْرُهُ مَهْجُورًا لَا بِدَلِيلٍ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ قَوْلُ أَبِي نَصْرٍ إنْ نَوَى بِالْحَقِّ الْيَمِينَ كَانَ يَمِينًا وَإِلَّا فَلَا، وَلَا يَلْزَمُ بُطْلَانُ قَوْلِ مَنْ حَكَى الْإِجْمَاعَ مِنْ الشَّارِحِينَ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ إجْمَاعَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ. وَلَوْ قَالَ حَقًّا بِأَنْ قَالَ حَقًّا عَلَيَّ أَنْ أُعْطِيَك كَذَا وَنَحْوَهُ لَا تَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى فَيَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ، وَالْمُنَكَّرُ يُرَادُ بِهِ تَحْقِيقُ الْوَعْدِ، وَمَا نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ الزَّاهِدِ، وَالْحَسَنِ بْنِ أَبِي مُطِيعٍ أَنَّهُ يَمِينٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَصَارَ كَالْحَقِّ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْمُنَكَّرَ لَيْسَ اسْمًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَمِنْ الْأَقْوَالِ الضَّعِيفَةِ مَا قَالَ الْبَلْخِيّ: إنَّ قَوْلَهُ بِحَقِّ اللَّهِ يَمِينٌ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَحْلِفُونَ بِهِ، وَضَعْفُهُ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ مِثْلُ وَحَقُّ اللَّهِ بِالْإِضَافَةِ وَعَلِمْت الْمُغَايَرَةَ فِيهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ يَمِينًا فَكَذَا بِحَقِّ اللَّهِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ أُقْسِمُ إلَخْ) إذَا حَلَفَ بِلَفْظِ الْقَسَمِ فَإِمَّا بِلَفْظِ الْمَاضِيَ أَوْ الْمُضَارِعَ وَكُلُّ مِنْهُمَا إمَّا مَوْصُولٌ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute