. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
لِسَتْرِ ذَنْبٍ هَتْكِ حُرْمَةِ الِاسْمِ، وَلَيْسَ فِي أُقْسِمُ مُجَرَّدًا هَتْكٌ، فَكَيْفَ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ. ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّ قَوْلَهُ أُقْسِمُ أُلْحِقَ بِقَوْلِهِ عَلَى يَمِينٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا فَقَالَ: لَوْ قَالَ عَلَيَّ يَمِينٌ أَوْ يَمِينُ اللَّهِ فَهُوَ يَمِينٌ، وَفِي الْمُنْتَقَى: لَوْ قَالَ عَلَيَّ يَمِينٌ لَا كَفَّارَةَ لَهَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ نَفَى الْكَفَّارَةَ صَرِيحًا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَيَّ يَمِينٌ لَمَّا كَانَ مُوجِبًا لِلْكَفَّارَةِ لَا يُفِيدُ قَوْلُهُ: لَا كَفَّارَةَ لَهَا: ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَيَّ لِلْإِيجَابِ، فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ هَذَا إقْرَارًا عَنْ مُوجِبِ الْيَمِينِ وَمُوجِبُهَا الْبِرُّ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَالْكَفَّارَةُ، وَلَمْ يُمْكِنْ تَحْقِيقُ الْبِرِّ هَاهُنَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْقِدْ يَمِينَهُ عَلَى شَيْءٍ فَكَانَ إقْرَارًا عَنْ الْمُوجِبِ الْآخَرِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ عَلَى وَجْهِ الْخِلَافَةِ، وَبِالْإِقْرَارِ يَجِبُ الْحَدُّ فَكَذَا الْكَفَّارَةُ، وَكَذَا فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ نَذْرٌ فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ عَلَى مَا يَجِيءُ بَعْدَ هَذَا. فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ يَمِينٌ وَعَلَيَّ نَذْرٌ كَانَ فِي قَوْلِهِ أُقْسِمُ عِنْدَ قِرَانِ النِّيَّةِ بِالْقَسَمِ كَذَا؛ لِأَنَّ أَصْلَهُ الْحَالُ فِي اسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ.
ثُمَّ قَالَ: وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ أُقْسِمُ لَمَّا كَانَ عِبَارَةً عَنْ الْإِقْرَارِ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى وُجُوبِ الْبِرِّ ابْتِدَاءً وَلَا إلَى تَصَوُّرِ هَتْكِ حُرْمَةِ الِاسْمِ وَقَدْ شُنِّعَ عَلَى هَذَا بِأَنَّ الْيَمِينَ بِذِكْرِ الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ، وَمَا ذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيَّ يَمِينٌ مُوجِبٌ لِلْكَفَّارَةِ مَعْنَاهُ إذَا وُجِدَ ذِكْرُ الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ وَنُقِضَتْ الْيَمِينُ، وَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا تُرِكَ ذَلِكَ لِلْعِلْمِ بِهِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ الَّذِي يَحْتَمِلُ أَنْ يَخْفَى هُوَ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيَّ يَمِينٌ هَلْ يَجْرِي مَجْرَى قَوْلِ الْقَائِلِ وَاَللَّهِ أَوْ لَا، فَإِمَّا أَنَّ بِمُجَرَّدِ ذِكْرِ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ أَنْ تَجِبَ الْكَفَّارَةُ فَلَا خَفَاءَ فِيهِ فَيَحْتَاجُ إلَى التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ وَإِنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ أَوْ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ أَوْ بِاَللَّهِ أَوْ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ أَوْ ذِمَّتُهُ أَوْ هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ أَوْ قَالَ أَشْهَدُ أَوْ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَوْ أَحْلِفُ أَوْ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ أَوْ أُقْسِمُ أَوْ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ أَوْ عَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ نَذْرُ اللَّهِ أَوْ أَعْزِمُ أَوْ أَعْزِمُ بِاَللَّهِ أَوْ عَلَيَّ يَمِينٌ أَوْ يَمِينُ اللَّهِ أَوْ مَا أَفَادَ عَيْنَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: فَهَذِهِ كُلُّهَا أَيْمَانٌ، وَإِذَا حَلَفَ بِشَيْءٍ مِنْهُمَا لَيَفْعَلَنَّ كَذَا وَكَذَا فَحَنِثَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ.
وَقَدْ ذَكَرَ مِنْهَا هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ، وَأَنْ يَقُولَ وَاَللَّهِ وَبِاَللَّهِ وَتَاللَّهِ وَحَكَمَ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا أَنَّهُ يَمِينٌ، وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ أَوْ قَوْلِهِ هُوَ يَهُودِيٌّ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ، بَلْ صَرَّحَ بِاشْتِرَاطِ الْحِنْثِ فِي كُلٍّ مِنْهَا لِلُزُومِ الْكَفَّارَةِ كَمَا سَمِعْت قَوْلَهُ وَإِذَا حَلَفَ بِشَيْءٍ مِنْهَا لَيَفْعَلَنَّ كَذَا وَكَذَا فَحَنِثَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَلِأَنَّ مِنْ الظَّاهِرِ أَنَّ مُجَرَّدَ الْإِقْرَارِ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ لَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ إلَّا إنْ كَانَ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ، وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِي أَنْ يَقُولَ: أَقْسَمْت عِنْدَ الْقَاضِي بَلْ لَوْ أَقَرَّ بِهِ كَانَ سَبِيلُهُ أَنْ يُفْتِيَهُ بِقَوْلِهِ إنْ كُنْت صَادِقًا فَعَلَيْك الْكَفَّارَةُ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ وَهُوَ الْإِنْشَاءُ، وَالْحَقُّ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيَّ يَمِينٌ إذَا لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْإِنْشَاءِ لَا الْإِخْبَارِ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ الْتَزَمَ الْكَفَّارَةَ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ ابْتِدَاءً كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ نَذْرٌ إذَا لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مِثْلُهُ مِنْ صِيَغِ النَّذْرِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَغَا، بِخِلَافِ أَحْلِفُ وَأَشْهَدُ وَنَحْوِهِمَا لَيْسَتْ مِنْ صِيَغِ النَّذْرِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الِالْتِزَامُ ابْتِدَاءً.
وَالْمَوْضِعُ الْآخَرُ اسْتِدْلَالُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِهِ أَحْلِفُ أَوْ أُقْسِمُ يَمِينٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ﴾ وقَوْله تَعَالَى ﴿إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ﴾ وَلَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ أَنَّ قَوْلَهُ أَقْسَمُوا إخْبَارٌ عَنْ وُجُودِ قَسَمٍ مِنْهُمْ، وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّ ذَلِكَ الْقَسَمَ كَانَ قَوْلُهُمْ نُقْسِمُ لَنَصْرِمُنَّهَا، فَإِنَّهُمْ لَوْ قَالُوا وَاَللَّهِ لَنَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ لَصَحَّ أَنْ يُقَالَ فِي الْإِخْبَارِ عَنْهُمْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا، وَمِثْلُهُ فِي ﴿يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ﴾ لَا يَلْزَمُ كَوْنُ حَلِفِهِمْ كَانَ بِلَفْظِ الْحَلِفِ أَصْلًا فَضْلًا عَنْ لَفْظِ الْحَلِفِ بِلَا ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا اسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ «الَّذِي رَأَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute