للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ وَهُوَ فِيهَا لَمْ يَحْنَثْ بِالْقُعُودِ حَتَّى يَخْرُجَ ثُمَّ يَدْخُلَ) اسْتِحْسَانًا. وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ لِأَنَّ الدَّوَامَ لَهُ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الدُّخُولَ لَا دَوَامَ لَهُ لِأَنَّهُ انْفِصَالٌ مِنْ الْخَارِجِ إلَى الدَّاخِلِ.

حِينَ حَلَفَ فَجُهِلَ لَهَا بَابٌ آخَرُ فَدَخَلَ مِنْهُ حَنِثَ لِأَنَّ الْحَلِفَ عَلَى بَابٍ مَنْسُوبٌ إلَيْهَا فَيَسْتَوِي الْقَدِيمُ وَالْحَادِثُ إلَّا إنْ عَيَّنَ ذَلِكَ الْبَابَ فِي حَلِفِهِ، وَلَوْ نَوَاهُ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ فِي حَلِفِهِ لَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ.

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا فَدَخَلَ قَنَاةً حَتَّى صَارَ تَحْتَهَا إنْ كَانَ لَهَا مِفْتَحٌ فِي الدَّارِ يُنْتَفَعُ بِهِ بِأَنْ يَسْتَقُوا مِنْهُ حَنِثَ إذَا وَصَلَ هُنَاكَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ إنَّمَا هُوَ لِإِضَاءَةِ الْقَنَاةِ لَا يَحْنَثُ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذَا الْفُسْطَاطَ فَقُوِّضَ وَضُرِبَ فِي مَكَانٍ آخَرَ فَدَخَلَهُ حَنِثَ.

(قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ وَهُوَ فِيهَا لَمْ يَحْنَثْ) بِالْمُكْثِ فِيهَا أَيَّامًا وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْقُعُودِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ حَتَّى يَدْخُلَ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْهَا اسْتِحْسَانًا. وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ بِالْمُكْثِ وَإِنْ قَصُرَ لِأَنَّ الدَّوَامَ لَهُ حُكْمُ ابْتِدَاءِ الدُّخُولِ حَتَّى صَحَّتْ إرَادَتُهُ بِهِ: أَعْنِي لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ وَنَوَى بِهِ الْمُكْثَ وَالْقَرَارَ فِيهَا صَحَّ، حَتَّى لَوْ دَخَلَ ابْتِدَاءً لَا يَحْنَثُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى (وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الدُّخُولَ) حَقِيقَةً لُغَةً وَعُرْفًا فِي الِانْفِصَالِ مِنْ الْخَارِجِ إلَى الدَّاخِلِ وَلَا دَوَامَ لِذَلِكَ، فَلَيْسَ الدَّوَامُ مَفْهُومَهُ وَلَا جُزْءَ مَفْهُومِهِ، وَكَوْنُهُ مِمَّا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِاللَّفْظِ مَجَازًا لِأَنَّهُ لَازِمٌ لِلدُّخُولِ عَادَةً وَإِنَّ قَلَّ إذْ كَانَ الدُّخُولُ يُرَادُ لِلْمُكْثِ لَا يَقْتَضِي الْحِنْثَ بِهِ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا تَنْعَقِدُ عَلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ لِلَّفْظِ بَلْ الْحَقِيقِيِّ.

وَكَذَا لَوْ كَانَ حَلَفَ لَيَدْخُلَنَّهَا غَدًا وَهُوَ فِيهَا فَمَكَثَ حَتَّى مَضَى الْغَدُ حَنِثَ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْهَا فِيهِ إذْ لَمْ يَخْرُجْ، وَلَوْ نَوَى بِالدُّخُولِ الْإِقَامَةَ فِيهِ لَمْ يَحْنَثْ. وَعَلَى هَذَا قَدْ يُقَالُ لَيْسَ هُنَا قِيَاسٌ فِي مُقَابَلَةِ الِاسْتِحْسَانِ فَإِنَّ الْقِيَاسَ الْكَائِنَ فِي مُقَابَلَتِهِ هُوَ مَا يَتَبَادَرُ وَيَتَسَارَعُ إلَى الذِّهْنِ، وَلَا يَتَسَارَعُ لِأَحَدٍ مِنْ لَفْظِ أَدْخُلُ مَعْنَى أَسْتَمِرُّ مُقِيمًا فَيُقْضَى الْعَجَبُ مِنْ زُفَرَ بِقَوْلِهِ بِالْحِنْثِ.

وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَيْهَا الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ إلَّا فِي وَجْهٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ كَقَوْلِ زُفَرَ. وَنَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ وَهُوَ خَارِجٌ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَدْخُلَ ثُمَّ يَخْرُجَ، وَكَذَا لَا يَتَزَوَّجُ وَهُوَ مُتَزَوِّجٌ وَلَا يَتَطَهَّرُ وَهُوَ مُتَطَهِّرٌ فَاسْتَدَامَ النِّكَاحُ وَالطَّهَارَةُ لَا يَحْنَثُ. بِخِلَافِ الْمَسَائِلِ الَّتِي ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ وَهُوَ لَابِسُهُ، وَكَذَا لَا يَرْكَبُ هَذِهِ الدَّابَّةَ وَهُوَ رَاكِبُهَا أَوْ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ وَهُوَ سَاكِنُهَا فَمَكَثَ قَلِيلًا حَنِثَ، فَلَوْ نَزَعَ الثَّوْبَ مِنْ سَاعَتِهِ أَوْ نَزَلَ أَوْ أَخَذَ فِي النَّقْلَةِ لَمْ يَحْنَثْ خِلَافًا لِزُفَرَ.

أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ الْحِنْثُ بِمُكْثِهِ فَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَفَاعِيلَ لَهَا دَوَامٌ بِحُدُوثِ أَمْثَالِهَا، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لَهَا كُلَّمَا رَكِبْت دَابَّةً فَأَنْتِ طَالِقٌ وَهِيَ رَاكِبَةٌ فَمَكَثَتْ سَاعَةً يُمْكِنُهَا النُّزُولُ فِيهَا طَلُقَتْ، فَإِنْ مَكَثَتْ سَاعَةً أُخْرَى كَذَلِكَ طَلُقَتْ أُخْرَى، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ كُلَّمَا رَكِبْت دَابَّةً فَرَكِبَ لَزِمَهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ طَالَ مُكْثُهُ، لِأَنَّ لَفْظَ رَكِبْت لِذَا لَمْ يَكُنْ الْحَالِفُ رَاكِبًا يُرَادُ بِهِ إنْشَاءَ الرُّكُوبِ فَلَا يَحْنَثُ بِالِاسْتِمْرَارِ وَإِنْ كَانَ لَهُ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ، بِخِلَافِ حَلِفِ الرَّاكِبِ لَا يَرْكَبُ فَإِنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْأَعَمُّ مِنْ ابْتِدَاءِ الْفِعْلِ وَمَا فِي حُكْمِهِ عُرْفًا، وَاسْتُوْضِحَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ لَهَا دَوَامٌ بِتَجَدُّدِ أَمْثَالِهَا بِقَوْلِهِ أَلَا يُرَى أَنَّهُ يُضْرَبُ لَهَا مُدَّةٌ فَيُقَالُ رَكِبْت يَوْمًا وَلَبِسْت يَوْمًا وَسَكَنْت شَهْرًا.

بِخِلَافِ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ دَخَلْت يَوْمًا بِمَعْنَى ضَرْبِ الْمُدَّةِ وَالتَّوْقِيتِ لِنَفْسِ الدُّخُولِ، بَلْ يُقَالُ فِي مَجَارِي الْكَلَامِ دَخَلْت عَلَيْهِ يَوْمًا مُرَادًا بِهِ إمَّا مُجَرَّدُ بَيَانِ الظَّرْفِيَّةِ لَا التَّقْدِيرُ، وَإِمَّا مُطْلَقُ

<<  <  ج: ص:  >  >>