وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الزَّوَالِ.
(وَإِنْ حَلَفَ لَيَأْتِيَنَّ الْبَصْرَةَ فَلَمْ يَأْتِهَا حَتَّى مَاتَ حَنِثَ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ) لِأَنَّ الْبِرَّ قَبْلَ ذَلِكَ مَرْجُوٌّ.
(وَلَوْ حَلَفَ لَيَأْتِيَنَّهُ غَدًا إنْ اسْتَطَاعَ فَهَذَا عَلَى اسْتِطَاعَةِ الصِّحَّةِ دُونَ الْقُدْرَةِ، وَفَسَّرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَالَ: إذَا لَمْ يَمْرَضْ وَلَمْ يَمْنَعْهُ السُّلْطَانُ وَلَمْ يَجِئْ أَمْرٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى إتْيَانِهِ فَلَمْ يَأْتِهِ حَنِثَ، وَإِنْ عَنَى اسْتِطَاعَةَ الْقَضَاءِ دَيْنٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى) وَهَذَا لِأَنَّ حَقِيقَةَ الِاسْتِطَاعَةِ فِيمَا يُقَارِنُ الْفِعْلَ وَيُطْلَقُ الِاسْمُ عَلَى سَلَامَةِ الْآلَاتِ وَصِحَّةِ الْأَسْبَابِ فِي الْمُتَعَارَفِ. فَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَتَصِحُّ نِيَّةُ الْأَوَّلِ دِيَانَةً لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ ثُمَّ قِيلَ وَتَصِحُّ قَضَاءً أَيْضًا لِمَا بَيَّنَّا، وَقِيلَ لَا تَصِحُّ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهُوَ الْأَصَحُّ) قَالَ تَعَالَى ﴿لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ﴾ أَيْ يُزِيلَهُ، فَبِمُجَرَّدِ تَحَقُّقِ الزَّوَالِ تَحَقَّقَ الْحِنْثُ، وَكَوْنُهُ اُسْتُعْمِلَ مُرَادًا بِهِ الْوُصُولُ فِي ﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ﴾ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَازِمٌ فِي اسْتِعْمَالَاتِهِ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا مَعَ الْوُصُولِ وَمَعَ عَدَمِهِ فَيَكُونَ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْخُرُوجِ بِلَا وُصُولٍ وَالْخُرُوجِ الْمُتَّصِلِ بِهِ وُصُولٌ.
فَلَا يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا لِتَحَقُّقِ الْمُسَمَّى بِمُجَرَّدِ الِانْفِصَالِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ بِالذَّهَابِ شَيْئًا. وَلَوْ نَوَى بِهِ الْخُرُوجَ أَوْ الْإِتْيَانَ صَحَّتْ نِيَّتُهُ. ثُمَّ فِي الْخُرُوجِ وَالذَّهَابِ إلَيْهِ يُشْتَرَطُ لِلْحِنْثِ الْخُرُوجُ عَنْ قَصْدٍ. وَفِي الْإِتْيَانِ إلَيْهِ لَا يُشْتَرَطُ الْقَصْدُ لِلْحِنْثِ. بَلْ إذَا وَصَلَ إلَيْهِ حَنِثَ قَصَدَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ. كَذَا فِي جَامِعِ قَاضِي خَانْ وَالْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ حَلَفَ لَيَأْتِيَنَّ الْبَصْرَةَ) هَذَا وَنَحْوُهُ مِنْ الْأَفْعَالِ الْمُسْتَقْبَلَةِ إذَا حَلَفَ عَلَى أَنْ يَفْعَلَهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ. فَإِمَّا أَنْ يُطْلِقَهَا أَوْ يُؤَقِّتَهَا بِوَقْتٍ مِثْلَ لَأَفْعَلَنَّ غَدًا أَوْ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ. فَفِي الْمُطْلَقَةِ مِثْلِ لَيَضْرِبَنَّ زَيْدًا أَوْ لَيُعْطِيَنَّ فُلَانًا أَوْ لَيُطَلِّقَنَّ زَوْجَتَهُ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَقَعَ الْيَأْسُ عَنْ الْبِرِّ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَبْقَى مَا أَمْكَنَ الْبِرُّ. وَحَيْثُ لَمْ يُقَيَّدْ الْيَمِينُ بِوَقْتٍ يَفُوتُ الْبِرُّ بِفَوَاتِهِ لَمْ يَسْقُطْ الْيَمِينُ وَلَمْ يَلْزَمْ انْحِلَالُهَا فَتَبْقَى إلَى أَنْ يَقَعَ الْيَأْسُ عَنْ الْبِرِّ فَيُحْكَمُ حِينَئِذٍ بِالْحِنْثِ، وَلَا يَقَعُ الْيَأْسُ إلَّا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْحَيَاةِ، فَإِنْ كَانَ الْحَلِفُ بِطَلَاقِهَا لَيَفْعَلَنَّ وَلَمْ يَفْعَلْ حَنِثَ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَوْتِهِ وَمَوْتِهَا فِي الصَّحِيحِ وَتَقَدَّمَتْ هَذِهِ فِي الطَّلَاقِ، وَفِي الْمُقَيَّدَةِ تَتَعَلَّقُ بِآخِرِ الْوَقْتِ، فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ الْوَقْتِ وَلَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَحْنَثْ.
فَإِذَا قَالَ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا غَدًا فَعَبْدِي حُرٌّ فَمَاتَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَلَمْ يَفْعَلْ لَا يُعْتَقُ عَبْدُهُ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ حَلَفَ) أَيْ بِاَللَّهِ أَوْ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ (لَيَأْتِيَنَّهُ غَدًا إنْ اسْتَطَاعَ) وَصُورَتُهُ فِي التَّعْلِيقِ أَنْ يَقُولَ امْرَأَتِي طَالِقٌ إنْ لَمْ آتِك غَدًا إنْ اسْتَطَعْت، وَلَا نِيَّةَ لَهُ تَصْرِفُ الِاسْتِطَاعَةَ إلَى سَلَامَةِ آلَاتِ الْفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَصِحَّةِ أَسْبَابِهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَعَارَفُ فَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَتَعَرَّفُ إلَيْهِ، وَهَذَا مَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ اسْتِطَاعَةُ الصِّحَّةِ دُونَ الِاسْتِطَاعَةِ الَّتِي هِيَ الْقُدْرَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute