للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَمَنْ حَلَفَ لَا تَخْرُجُ امْرَأَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَأَذِنَ لَهَا مَرَّةً فَخَرَجَتْ ثُمَّ خَرَجَتْ مَرَّةً أُخْرَى بِغَيْرِ إذْنِهِ حَنِثَ وَلَا بُدَّ مِنْ الْإِذْنِ فِي كُلِّ خُرُوجٍ) لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى خُرُوجٌ مَقْرُونٌ بِالْإِذْنِ، وَمَا وَرَاءَهُ دَاخِلٌ فِي الْحَظْرِ الْعَامِّ. وَلَوْ نَوَى الْإِذْنَ مَرَّةً يُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ

الَّتِي لَا تَسْبِقُ الْفِعْلَ بَلْ تُخْلَقُ مَعَهُ بِلَا تَأْثِيرٍ لَهَا فِيهِ لِأَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ أَرَادَ هَذِهِ بِقَوْلِهِ إنْ اسْتَطَعْت صَحَّتْ إرَادَتُهَا، فَإِذَا لَمْ يَأْتِهِ لِعُذْرٍ مِنْهُ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ لَا يَحْنَثُ كَأَنَّهُ قَالَ لَآتِيَنك إنْ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى إتْيَانِي أَوْ إلَّا أَنْ لَا يَخْلُقَ إتْيَانِي، وَهُوَ إذَا لَمْ يَأْتِ لَمْ يُخْلَقْ إتْيَانُهُ وَلَا اسْتِطَاعَةُ الْإِتْيَانِ الْمُقَارِنَةُ وَإِلَّا لَأَتَى، وَإِذَا صَحَّتْ إرَادَتُهَا فَهَلْ يُصَدَّقُ دِيَانَةً وَقَضَاءً أَوْ دِيَانَةً فَقَطْ؟ قِيلَ يُصَدَّقُ دِيَانَةً فَقَطْ لِأَنَّهُ نَوَى خِلَافَ الظَّاهِرِ، وَهُوَ قَوْلُ الرَّازِيّ، وَقِيلَ دِيَانَةً وَقَضَاءً لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ إذَا كَانَ اسْمُ الِاسْتِطَاعَةِ يُطْلَقُ بِالِاشْتِرَاكِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ. وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا لَكِنْ تُعُورِفَ اسْتِعْمَالُهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَنْ الْقَرِينَةِ لِأَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ بِخُصُوصِهِ وَهُوَ سَلَامَةُ آلَاتِ الْفِعْلِ وَصِحَّةُ أَسْبَابِهِ فَصَارَ ظَاهِرًا فِيهِ بِخُصُوصِهِ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِ الظَّاهِرِ.

(قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ لَا تَخْرُجُ امْرَأَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَأَذِنَ لَهَا مَرَّةً فَخَرَجَتْ ثُمَّ خَرَجَتْ مَرَّةً أُخْرَى بِغَيْرِ إذْنِهِ حَنِثَ) وَلَا بُدَّ مِنْ الْإِذْنِ فِي كُلِّ خُرُوجٍ، وَمِثْلُهُ إنْ خَرَجَتْ إلَّا بِقِنَاعٍ وَنَحْوِهِ، لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى فِي قَوْلِهِ إلَّا بِإِذْنِي خُرُوجٌ مَقْرُونٌ بِالْإِذْنِ، فَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ الْخُرُوجِ الْمُلْصَقِ بِالْإِذْنِ دَاخِلٌ فِي الْحَظْرِ الْعَامِّ، وَهُوَ النَّكِرَةُ الْمُؤَوَّلَةُ مِنْ الْفِعْلِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ، فَإِنَّ الْمَعْنَى لَا تَخْرُجِي خُرُوجًا إلَّا خُرُوجًا بِإِذْنِي، وَطَرِيقُ إسْقَاطِ هَذَا الْإِذْنِ أَنْ يَقُولَ كُلَّمَا أَرَدْت الْخُرُوجَ فَقَدْ أَذِنْت لَك فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ ثُمَّ نَهَاهَا لَمْ يَعْمَلْ نَهْيُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ.

وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهَا مَرَّةً ثُمَّ نَهَى عَمِلَ نَهْيُهُ اتِّفَاقًا فَكَذَا بَعْدَ الْإِذْنِ الْعَامِّ. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنَّمَا عَمِلَ نَهْيُهُ بَعْدَ الْمَرَّةِ لِأَنَّهُ مُفِيدٌ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ بَعْدَهُ. بِخِلَافِ النَّهْيِ بَعْدَ الْإِذْنِ الْعَامِّ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ لِارْتِفَاعِ الْيَمِينِ بِالْإِذْنِ الْعَامِّ. وَلَوْ أَذِنَ لَهَا إذْنًا غَيْرَ مَسْمُوحٍ لَمْ يَكُنْ إذْنًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: هُوَ إذْنٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْمَسْمُوعِ وَغَيْرِهِ.

وَلَهُمَا أَنَّ الْإِذْنَ إنَّمَا سُمِّيَ إذْنًا لِكَوْنِهِ مُعَلَّمًا أَوْ لِوُقُوعِهِ فِي الْإِذْنِ وَلَمْ يُوجَدْ. ثَمَّ انْعِقَادُ الْيَمِينِ عَلَى الْإِذْنِ فِي قَوْلِهِ إنْ خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ وَاَللَّهِ لَا تَخْرُجِينَ إلَّا بِإِذْنِي مُقَيَّدٌ بِبَقَاءِ النِّكَاحِ، لِأَنَّ الْإِذْنَ إنَّمَا يَصِحُّ لِمَنْ لَهُ الْمَنْعُ وَهُوَ مِثْلُ السُّلْطَانِ إذَا حَلَّفَ إنْسَانًا لَيَرْفَعَن إلَيْهِ خَبَرَ كُلِّ دَاعِرٍ فِي الْمَدِينَةِ كَانَ عَلَى مُدَّةِ وِلَايَتِهِ، فَلَوْ أَبَانَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَخَرَجَتْ بِلَا إذْنٍ لَا تَطْلُقُ، وَإِنْ كَانَ زَوَالُ الْمِلْكِ لَا يُبْطِلُ الْيَمِينَ عِنْدَنَا لِأَنَّهَا لَمْ تَنْعَقِدْ عَلَى مُدَّةِ بَقَاءِ النِّكَاحِ. وَلَوْ نَوَى الْإِذْنَ مَرَّةً وَاحِدَةً بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ يُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلِذَا لَا يُصَدِّقُ الْقَاضِي، أَمَّا إنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ. فَظَاهِرُ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>