(وَلَوْ قَالَ إلَّا أَنْ آذَنَ لَك فَأَذِنَ لَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً فَخَرَجَتْ ثُمَّ خَرَجَتْ بَعْدَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ هَذِهِ كَلِمَةُ غَايَةٍ فَتَنْتَهِي الْيَمِينُ بِهِ كَمَا إذَا قَالَ حَتَّى آذَنَ لَك.
وَأَمَّا إنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ فَلِأَنَّ الْإِذْنَ مَرَّةً مُوجِبُ الْغَايَةِ فِي قَوْلِهِ لَا تَخْرُجِي حَتَّى آذَنَ لَك، وَبَيْنَ الْغَايَةِ وَالِاسْتِثْنَاءِ مُنَاسَبَةٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ حُكْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ وَالْغَايَةِ مُخَالِفٌ لِمَا قَبْلَهُمَا، فَيُسْتَعَارُ إلَّا بِإِذْنِي لِمَعْنًى حَتَّى آذَنَ وَفِي حَتَّى آذَنَ تَنْحَلُّ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ. وَقَدْ بَحَثَ بَعْضُهُمْ فِي حَتَّى أَنَّهَا أَيْضًا تُوجِبُ التَّكْرَارَ.
وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا﴾ ﴿فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ﴾ وَنَحْنُ نَقُولُ إنْ قَامَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ التَّكْرَارَ يُرَادُ فَلَا نِزَاعَ. وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنَّهُ هَلْ هُوَ مُؤَدَّى اللَّفْظِ فَقُلْنَا لَا، فَإِنَّهُ إذَا قَالَ حَتَّى آذَنَ لَك يَكُونُ قَدْ جَعَلَ النَّهْيَ عَنْ الْخُرُوجِ مُطْلَقًا مُغَيًّا بِوُجُودِ مَا هُوَ إذْنٌ. وَبِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ الْإِذْنِ يَتَحَقَّقُ مَا هُوَ إذْنٌ فَيَتَحَقَّقُ غَايَةُ النَّهْيِ فَيَزُولُ الْمَنْعُ الْمُضَافُ إلَى اللَّفْظِ. فَإِنْ كَانَ مَنْعٌ آخَرُ فَبِغَيْرِهِ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ أَوْ عُلِمَ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ خِلَافُ مُقْتَضَاهُ، وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ إلَّا بِإِذْنِي أَنَّهُ تَنْتَهِي الْيَمِينُ بِخُرْجَةٍ وَاحِدَةٍ بِإِذْنِ الزَّوْجِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا تَطْلُقُ بِالْخُرُوجِ بَعْدَهُ بِلَا إذْنٍ. وَفِي وَجْهٍ كَقَوْلِنَا وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيّ وَالْقَفَّالِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ إلَّا أَنْ آذَنَ لَك فَأَذِنَ لَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً ثُمَّ خَرَجَتْ بَعْدَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَحْنَثْ) وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ لُزُومُ تَكْرَارِ الْإِذْنِ فِيهِ أَيْضًا مِثْلُ إلَّا بِإِذْنِي وَهُوَ قَوْلُ الْفَرَّاءِ لِأَنَّ الْمَعْنَى إلَّا خُرُوجًا بِإِذْنِي لِأَنَّ أَنْ وَالْفِعْلَ فِي تَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ وَلَا يَصِحُّ إلَّا خُرُوجًا إذْنِي فَلَزِمَ إرَادَةُ الْبَاءِ فَصَارَ بِإِذْنِي.
وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ. أَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ إرَادَةِ الْبَاءِ مَحْذُوفَةً أَوْ مَا قُلْنَا مِنْ جَعْلِهَا بِمَعْنَى حَتَّى مَجَازًا: أَيْ حَتَّى آذَنَ لَك، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ كَالْأَوَّلِ. وَعَلَى الثَّانِي يَنْعَقِدُ عَلَى إذْنٍ وَاحِدٍ. وَإِذَا لَزِمَ فِي إلَّا أَنْ آذَنَ لَك أَحَدُ الْمَجَازَيْنِ وَجَبَ الرَّاجِحُ مِنْهُمَا.
وَمَجَازُ غَيْرِ الْخَذْفِ أَوْلَى مِنْ مَجَازِ الْحَذْفِ عِنْدَهُمْ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي وَصْفِ اللَّفْظِ، وَمَجَازُ الْحَذْفِ تَصَرُّفٌ فِي ذَاتِهِ بِالْإِعْدَامِ مَعَ الْإِرَادَةِ، ثُمَّ هُوَ مُوَافِقٌ لِلِاسْتِعْمَالِ الْقُرْآنِيِّ، قَالَ تَعَالَى ﴿لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ﴾ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ تَحَقَّقَ بِمَعْنَى مَا بِإِضْمَارِ الْبَاءِ أَيْضًا فِي قَوْله تَعَالَى ﴿لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ﴾ الْآيَةَ، وَالثَّابِتُ وُجُوبُ تَكْرَارِ الْإِذْنِ. أُجِيبَ بِالْمَنْعِ، بَلْ وُجُوبُ التَّكْرَارِ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْمُوجِبَةِ مَنْعَ دُخُولِ الْإِنْسَانِ بَيْتَ غَيْرِهِ فَضْلًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَكَذَا كُلُّ مَا كَانَ مِثْلَ هَذَا وَهُوَ كَثِيرٌ مِثْلُ ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ ﴿وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا﴾ ﴿إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ ﴿وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلا مَعْرُوفًا﴾ ﴿لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute