(وَلَوْ أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ الْخُرُوجَ فَقَالَ إنْ خَرَجْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَجَلَسَتْ ثُمَّ خَرَجَتْ لَمْ يَحْنَثْ) وَكَذَلِكَ إذَا أَرَادَ رَجُلٌ ضَرْبَ عَبْدِهِ فَقَالَ لَهُ آخَرُ إنْ ضَرَبْته فَعَبْدِي حُرٌّ فَتَرَكَهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ وَهَذِهِ تُسَمَّى يَمِينَ فَوْرٍ. وَتَفَرَّدَ أَبُو حَنِيفَةَ ﵀ بِإِظْهَارِهِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ مُرَادَ الْمُتَكَلِّمِ الرَّدُّ عَنْ تِلْكَ الضَّرْبَةِ وَالْخُرْجَةِ عُرْفًا، وَمَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَيْهِ. (وَلَوْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ
وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهَا يَسْتَقِلُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْمَنْعِ أَوْ الْفِعْلِ مَعَ كُلِّ مُتَكَرِّرٍ، فَإِنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ لَمْ يَكُنْ دَلِيلٌ عَلَى التَّكْرَارِ سِوَاهُ.
وَقَدْ أُجِيبَ أَيْضًا عَنْ الْآيَةِ الْأُولَى أَنَّ لُزُومَ تَكْرَارِ الْإِذْنِ لِلْعِلَّةِ الْمَنْصُوصَةِ فِيهَا مِنْ قَوْله تَعَالَى ﴿إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ﴾ فَأَلْزَمَ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّ خُرُوجَ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ مِمَّا يُؤْذِي الزَّوْجَ أَيْضًا، وَهَذَا ذُهُولٌ عَظِيمٌ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْعِلَّةِ الْمَنْصُوصَةِ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ﴾ الْمَنْعُ الَّذِي هُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَهُوَ يَثْبُتُ بِالْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ.
أَمَّا هُنَا فَالنَّظَرُ فِيمَا تَنْعَقِدُ عَلَيْهِ يَمِينُ الْحَالِفِ وَيَلْزَمُ بِعَدَمِهِ الْكَفَّارَةُ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِاللَّفْظِ النَّاصِّ عَلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لَا بِالْعِلَّةِ لَوْ صَرَّحَ بِهَا بِأَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَشْرَبُ مَاءَ الْعِنَبِ الْمُشْتَدِّ لِإِسْكَارِهِ فَإِنَّهُ لَوْ شَرِبَ مِزْرًا لَا يَقُولُ أَحَدٌ إنَّهُ حَنِثَ وَلَزِمَهُ كَفَّارَةٌ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مُسْكِرًا، فَكَيْفَ إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهَا بَلْ اُسْتُنْبِطَتْ كَمَا فَعَلَ هَذَا الْبَاحِثُ حَيْثُ اسْتَنْبَطَ أَنَّ الزَّوْجَ يَكْرَهُ خُرُوجَ زَوْجَتِهِ بِلَا إذْنٍ. نَعَمْ قَدْ قَالَ: لَا تَجِدُ دَلِيلًا يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ كُلِّ دُخُولٍ إلَّا بِإِذْنٍ، وَكُلُّ مَشِيئَةٍ لِلْعِبَادِ إلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكُلُّ قَوْلٍ إنِّي فَاعِلٌ غَدًا كَذَا إلَّا بِقِرَانِهِ بِالْمَشِيئَةِ سِوَى الْأَدِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ خُصُوصًا فِي الْأَخِيرِ.
وَلَوْ فُرِضَ الْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ فَمُسْتَنَدُ الْإِجْمَاعِ لَيْسَ إلَّا هَذِهِ الْأَدِلَّةُ. وَأَقَلُّ مَا فِي الْبَابِ أَنْ يَكُونَ وُجُودُ هَذَا الْمَجَازِ أَكْثَرَ وَالْكَثْرَةُ مِنْ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ، وَحِينَئِذٍ كَوْنُ غَيْرِ مَجَازِ الْحَذْفِ أَوْلَى يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ مَا يَكُونُ الْحَذْفُ فِيهِ مُطَّرِدًا مُسْتَمِرًّا مَفْهُومًا مِنْ اللَّفْظِ بِلَا زِيَادَةِ تَأَمُّلٍ.
وَأَنْتَ عَلِمْت أَنَّ حَذْفَ حَرْفِ الْجَرِّ مَعَ أَنْ وَأَنَّ مُطَّرِدٌ وَهُنَا لَفْظَانِ آخَرَانِ هُمَا إلَى أَنْ آذَنَ لَك، وَيَجِبُ أَنْ يُسْلَكَ بِهِ مَسْلَكُ حَتَّى، وَبِغَيْرِ إذْنِي، وَيَجِبُ فِيهِ تَكْرَارُ الْإِذْنِ مِثْلُ إلَّا بِإِذْنِي لِأَنَّ الْمَعْنَى فِيهِمَا وَاحِدٌ مَعَ وُجُودِ الْبَاءِ، وَهَذَا كُلُّهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا إلَّا بِإِذْنِ فُلَانٍ أَوْ حَتَّى يَأْذَنَ أَوْ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ أَوْ إلَّا أَنْ يَقْدُمَ فُلَانٌ أَوْ حَتَّى يَقْدُمَ، أَوْ قَالَ لِرَجُلٍ فِي دَارِهِ وَاَللَّهِ لَا تَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِي فَإِنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ الْيَمِينُ فِي هَذَا كُلِّهِ لِأَنَّ قُدُومَ فُلَانٍ لَا يَتَكَرَّرُ عَادَةً، وَالْإِذْنُ فِي الْكَلَامِ يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَا يُوجَدُ مِنْ الْكَلَامِ بَعْدَ الْإِذْنِ، وَكَذَا خُرُوجُ الرَّجُلِ مِمَّا لَا يَتَكَرَّرُ عَادَةً، بِخِلَافِ الْإِذْنِ لِلزَّوْجَةِ فَإِنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا ذَلِكَ الْخُرُوجَ الْمَأْذُونَ فِيهِ عَادَةً لَا كُلَّ خُرُوجٍ، إلَّا بِنَصٍّ صَرِيحٍ فِيهِ مِثْلُ أَذِنْت لَك أَنْ تَخْرُجِي كُلَّمَا أَرَدْت الْخُرُوجَ وَنَحْوِهِ، فَكَانَ الِاقْتِصَارُ فِي هَذَا الْوُجُودِ الصَّارِفِ عَنْ التَّكْرَارِ، لَا لِأَنَّ الْعُرْفَ فِي الْكُلِّ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ بَلْ مُؤَدَّى اللَّفْظِ مَا ذَكَرْنَا، وَثُبُوتُ خِلَافِهِ لِلصَّارِفِ الْعُرْفِيِّ، ثُمَّ ذَلِكَ الْمُؤَدَّى اللَّفْظِيُّ فِي مِثْلِ إنْ خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي، وَإِلَّا أَنْ آذَنَ لَك لَمْ يَقَعْ الْعُرْفُ بِخِلَافِهِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ كَذَلِكَ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ الْخُرُوجَ فَقَالَ إنْ خَرَجْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَجَلَسَتْ ثُمَّ خَرَجَتْ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَلِكَ إذَا أَرَادَ رَجُلٌ ضَرْبَ عَبْدِهِ فَقَالَ لَهُ آخَرُ إنْ ضَرَبْته فَعَبْدِي حُرٌّ فَتَرَكَهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ، وَهَذِهِ تُسَمَّى يَمِينُ الْفَوْرِ، انْفَرَدَ أَبُو حَنِيفَةَ ﵁ بِإِظْهَارِهَا) وَكَانَتْ الْيَمِينُ فِي عُرْفِهِمْ قِسْمَيْنِ: مُؤَبَّدَةٌ وَهِيَ أَنْ يَحْلِفَ مُطْلَقًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute