(وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ هَذَا الْحَمَلِ فَأَكَلَ بَعْدَمَا صَارَ كَبْشًا حَنِثَ) لِأَنَّ صِفَةَ الصِّغَرِ فِي هَذَا لَيْسَتْ بِدَاعِيَةٍ إلَى الْيَمِينِ فَإِنَّ الْمُمْتَنِعَ عَنْهُ أَكْثَرُ امْتِنَاعًا عَنْ لَحْمِ الْكَبْشِ.
وَالْمُنَكَّرِ. فَإِذَا زَالَتْ زَالَ الْيَمِينُ عَنْهُ، وَمَا لَا تَصْلُحُ دَاعِيَةً اُعْتُبِرَ فِي الْمُنَكَّرِ دُونَ الْمُعَرَّفِ؛ وَصِفَةُ الْبُسُورَةِ وَالرُّطُوبَةِ مِمَّا قَدْ تَدْعُو إلَى الْيَمِينِ بِحَسَبِ الْأَمْزِجَةِ، وَكَذَا صِفَةُ اللَّبَنِيَّةِ فَإِذَا زَالَتْ مَا عَقَدَ عَلَيْهِ الْيَمِينَ فَأَكَلَهُ أَكَلَ مَا لَمْ تَنْعَقِدْ عَلَيْهِ، وَيُخَصُّ اللَّبَنُ وَجْهُ ذِكْرِهِ بِقَوْلِهِ وَلِأَنَّ اللَّبَنَ مَأْكُولٌ فَلَا يَنْعَقِدُ إلَّا عَلَى عَيْنِهِ لَا عَلَى مَا يَصِيرُ إلَيْهِ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ غَيْرُ مَهْجُورَةٍ فَلَا يَحْنَثُ بِشِيرَازِهِ وَلَا بِسَمْنِهِ وَزُبْدِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الصَّبِيَّ أَوْ هَذَا الشَّابَّ فَكَلَّمَهُ بَعْدَمَا شَاخَ لِأَنَّ هِجْرَانَ الْمُسْلِمِ بِمَنْعِ الْكَلَامِ مَعَهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَلَمْ يُعْتَبَرْ مَا يُخَالُ دَاعِيًا إلَى الْيَمِينِ مِنْ جَهْلِهِ وَسُوءِ أَدَبِهِ إذَا كَانَ الشَّارِعُ مَنَعَنَا مِنْ هِجْرَانِ الْمُسْلِمِ مُطْلَقًا مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ الدَّاعِيَ قَدْ يَكُونُ كَذَا وَكَذَا فَوَجَبَ الِاتِّبَاعُ، وَنُظِرَ فِيهِ بِأَنَّ الْهِجْرَانَ قَدْ يَجُوزُ أَوْ يَجِبُ إذَا كَانَ لِلَّهِ بِأَنْ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ أَوْ يُخْشَى فِتْنَةٌ أَوْ فَسَادٌ عَرَضَهُ بِكَلَامِهِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الشَّارِعَ مَنَعَ الْهِجْرَانَ مُطْلَقًا فَحَيْثُ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ لَا يُحْكَمُ إلَّا أَنَّهُ وُجِدَ الْمُسَوِّغَ، وَإِذَا وُجِدَ اُعْتُبِرَ الدَّاعِيَ فَتَقَيَّدَ بِصِبَاهُ وَشَبِيبَتِهِ وَنَذْكُرُ مَا فِيهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَلِيهَا.
(قَوْلُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ لَحْمِ هَذَا الْحَمَلِ فَأَكَلَ مِنْهُ بَعْدَمَا صَارَ كَبْشًا حَنِثَ لِأَنَّ صِفَةَ الصِّغَرِ فِي هَذَا لَيْسَتْ دَاعِيَةً إلَى الْيَمِينِ) فَلَا تَقْيِيدَ بِهِ فَانْعَقَدَتْ عَلَى ذَاتِهِ فَيَحْنَثُ بِهِ كَبْشًا لِوُجُودِ ذَاتِهِ فِيهِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا لَيْسَتْ دَاعِيَةً لِأَنَّ الصِّغَرَ دَاعٍ إلَى الْأَكْلِ لَا إلَى عَدَمِهِ، فَالْمُمْتَنِعُ عَنْهُ مَعَ صُلُوحِهِ أَشَدُّ امْتِنَاعًا عَنْهُ كَبْشًا، وَفِي هَذَا نَظَرٌ لِأَنَّ الْحَمَلَ لَيْسَ مَحْمُودًا فِي الضَّأْنِ لِكَثْرَةِ رُطُوبَاتِهِ زِيَادَةً حَتَّى قِيلَ فِيهِ النَّحِسُ بَيْنَ الْجَيِّدَيْنِ بِخِلَافَةِ كَبْشًا فَإِنَّ لَحْمَهُ حِينَئِذٍ أَكْثَرُ قُوَّةً وَتَقْوِيَةً لِلْبَدَنِ لِقِلَّةِ رُطُوبَاتِهِ فَصَارَ كَالْحَلِفِ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الرُّطَبِ فَأَكَلَهُ تَمْرًا لَا يَحْنَثُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ إيرَادَ مِثْلِ هَذَا وَمَا قَبْلَهُ فِي مَسْأَلَةِ لَا أُكَلِّمُ هَذَا الصَّبِيَّ ذُهُولٌ عَنْ وَضْعِ هَذِهِ الْمَسَائِلَ وَنِسْيَانٌ أَنَّهَا بُنِيَتْ عَلَى الْعُرْفِ فَيُصْرَفُ اللَّفْظُ إلَى الْمُعْتَادَةِ فِي الْعَمَلِ وَالْعُرْفِ فِي الْقَوْلِ، وَأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَوْ أَرَادَ مَعْنًى تَصِحُّ إرَادَتُهُ مِنْ اللَّفْظِ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ. فَفِي مَسْأَلَةِ الْحَمَلِ الْعُمُومُ يُفَضِّلُونَهُ وَهُوَ عِنْدَهُمْ غِذَاءٌ فِي غَايَةِ الصَّلَاحِ وَمَا يُدْرِكُ نَحِسَهُ إلَّا أَفْرَادٌ عَرَفُوا شَيْئًا مِنْ الطِّبِّ فَوَجَبَ بِحُكْمِ الْعُرْفِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَنْ يُصْرَفَ الْيَمِينُ إلَى ذَاتِ الْحَمَلِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ صَالِحًا فِي الْغَايَةِ عِنْدَ الْعُمُومِ لَا يُحْكَمُ عَلَى الْفَرْدِ مِنْ الْعُمُومِ أَنَّهُ عَلَى خِلَافِهِمْ فَيَنْصَرِفُ حَلِفُهُ إلَيْهِمْ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا تُعْتَبَرَ الْحَمَلِيَّةُ قَيْدًا، وَكَذَا الصَّبِيُّ لَمَّا كَانَ مَوْضِعَ الشَّفَقَةِ وَالرَّحْمَةِ عِنْدَ الْعُمُومِ، وَفِي الشَّرْعِ لَمْ يُجْعَلْ الصِّبَا دَاعِيَةً إلَى الْيَمِينِ فِي حَقِّ الْعُمُومِ فَيَنْصَرِفُ إلَى ذَاتِهِ، وَهَذَا لَا يَنْفِي كَوْنَ حَالِفٍ مِنْ النَّاسِ عَرَفَ عَدَمَ طِيبِ الْحَمَلِ وَسُوءَ أَدَبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute