(وَكَذَا إذَا أَكَلَ كَبِدًا أَوْ كَرِشًا) لِأَنَّهُ لَحْمٌ حَقِيقَةً فَإِنَّ نُمُوَّهُ مِنْ الدَّمِ وَيُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ اللَّحْمِ. وَقِيلَ فِي عُرْفِنَا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ لَحْمًا.
(وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ أَوْ لَا يَشْتَرِي شَحْمًا لَمْ يَحْنَثْ إلَّا فِي شَحْمِ الْبَطْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: يَحْنَثُ فِي شَحْمِ الظَّهْرِ أَيْضًا) وَهُوَ اللَّحْمُ السَّمِينُ لِوُجُودِ خَاصِّيَّةِ الشَّحْمِ فِيهِ وَهُوَ الذَّوْبُ بِالنَّارِ. وَلَهُ أَنَّهُ لَحْمٌ حَقِيقَةً؛ أَلَا تَرَاهُ أَنَّهُ يَنْشَأُ مِنْ الدَّمِ وَيُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَهُ وَتَحْصُلُ بِهِ قُوَّتُهُ وَلِهَذَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ فِي الْيَمِينِ عَلَى أَكْلِ اللَّحْمِ، وَلَا يَحْنَثُ بِبَيْعِهِ فِي الْيَمِينِ عَلَى بَيْعِ الشَّحْمِ، وَقِيلَ هَذَا بِالْعَرَبِيَّةِ، فَأَمَّا اسْمُ بِيه بِالْفَارِسِيَّةِ لَا يَقَعُ عَلَى شَحْمِ الظَّهْرِ بِحَالٍ.
الْحَرَامِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ خِطَابُ الشَّرْعِ نَهْيًا عَنْهُ وَطَلَبًا لَهُ، فَكَيْفَ يَكُونُ بِعَيْنِهِ مَطْلُوبَ الْعَدَمِ مَطْلُوبَ الْإِيجَادِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا وَهْمًا مِنْ الْأَوْهَامِ، وَمِثْلُهُ فِي كَفَّارَةِ الْإِحْرَامِ تَثْبُتُ، وَلَا جِنَايَةَ إذَا كَانَ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا أَكَلَ كَبِدًا أَوْ كَرِشًا) أَوْ رِئَةً أَوْ قَلْبًا أَوْ طِحَالًا: يَعْنِي يَحْنَثُ لِأَنَّ نَمْوَةَ مِنْ الدَّمِ وَيُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ اللَّحْمِ.
وَقِيلَ فِي عُرْفِنَا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ لَحْمًا. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: هَذَا فِي عُرْفِ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَفِي عُرْفِنَا لَا يَحْنَثُ، وَذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ أَيْضًا. وَلَوْ أَكَلَ الرَّأْسَ وَالْأَكَارِعَ يَحْنَثُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأَصَحِّ. وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الشَّحْمِ وَالْأَلْيَةِ إلَّا إذَا نَوَاهُ فِي اللَّحْمِ. بِخِلَافِ شَحْمِ الظَّهْرِ يَحْنَثُ بِهِ بِلَا نِيَّةٍ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلَّحْمِ فِي الْوُجُودِ، وَيُقَالُ فِي الْعُرْفِ لَحْمٌ سَمِينٌ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ أَوْ لَا يَشْتَرِي شَحْمًا لَمْ يَحْنَثْ إلَّا فِي شَحْمِ الْبَطْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يَحْنَثُ فِي شَحْمِ الظَّهْرِ وَهُوَ اللَّحْمُ السَّمِينُ لِوُجُودِ خَاصِّيَّةَ الشَّحْمِ فِيهِ وَهُوَ الذَّوْبُ بِالنَّارِ) فَلَزِمَ كَوْنُهُ مِنْ نَفْسِ مُسَمَّاهُ، وَلِذَا اسْتَثْنَى فِي قَوْله تَعَالَى ﴿حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا﴾ فَيَحْنَثُ بِهِ (وَلَهُ أَنَّهُ لَحْمٌ حَقِيقَةً لِأَنَّهُ يَنْشَأُ مِنْ الدَّمِ وَيُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ اللَّحْمِ) فِي اتِّخَاذِ أَلْوَانِ الطَّعَامِ وَالْقَلَايَا فَيُجْعَلُ قِطَعًا وَيُلْقَى فِيهَا لِيُؤْكَلَ أَكْلَ اللَّحْمِ وَلَا يُفْعَلُ ذَلِكَ بِالشَّحْمِ (وَتَحْصُلُ بِهِ قُوَّتُهُ، وَلِهَذَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ فِي الْيَمِينِ عَلَى أَنْ لَا يَأْكُلَ اللَّحْمَ، وَلَا يَحْنَثُ بِبَيْعِهِ فِي الْيَمِينِ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَ شَحْمًا) وَالْقَاطِعُ بِنَفْيِ قَوْلِهِمَا إنَّ الْعُرْفَ لَا يُفْهَمُ مِنْ اسْمِ الشَّحْمِ إلَّا مَا فِي الْبَطْنِ وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى بَائِعُهُ شَحَّامًا فِي الْعُرْفِ، وَبَائِعُ ذَلِكَ يُسَمَّى لَحَّامًا، وَالْأَيْمَانُ لَا تُبْنَى عَلَى الْأَسْمَاءِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَا يَضُرُّ تَسْمِيَتُهَا شَحْمًا فِي آيَةِ الِاسْتِثْنَاءِ.
وَقَوْلُ بَعْضِ الشَّارِحِينَ شَحْمُ الظَّهْرِ إمَّا أَلْيَةٌ أَوْ لَحْمٌ أَوْ شَحْمٌ لَا قَائِلَ إنَّهُ أَلْيَةٌ وَلَيْسَ بِلَحْمٍ لِأَنَّهُ يُذَوَّبُ دُونَ اللَّحْمِ. وَأَيْضًا يُقَالُ لَهُ شَحْمُ الظَّهْرِ لَا لَحْمُ الظَّهْرِ فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ شَحْمٌ فَيَحْنَثُ بِأَكْلِهِ بَعْدَمَا ذَكَرْنَا لَا يُفِيدُ عَلَى أَنَّا نَمْنَعُ كَوْنَهُ لَيْسَ بِلَحْمٍ. وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يَذُوبُ مُعَارَضٌ بِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ اللَّحْمِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَبِهِ يَلْزَمُ كَوْنُ الذَّوْبِ لَيْسَ لَازِمًا مُخْتَصًّا، وَاللَّوَازِمُ جَازَ كَوْنُهَا مُسَاوِيَةً لِمَلْزُومِهَا وَكَوْنُهَا أَعَمَّ مِنْهُ فَتَشْتَرِكُ الْأَنْوَاعُ الْمُتَبَايِنَةُ فِي لَازِمٍ وَاحِدٍ فَجَازَ كَوْنُ الذَّوْبِ يَتَحَقَّقُ فِيمَا لَيْسَ بِلَحْمٍ وَفِي بَعْضِ مَا هُوَ لَحْمٌ وَلَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ وَكَذَا نَمْنَعُ أَنَّهُ لَا يُقَالُ لَهُ لَحْمُ الظَّهْرِ بَلْ نَقْطَعُ أَنَّهُ يُقَالُ لَهُ لَحْمٌ سَمِينٌ، وَلَوْ قِيلَ هَذَا لَحْمُ الظَّهْرِ أَوْ مِنْ الظَّهْرِ لَمْ يُعَدَّ مُخْطِئًا، وَلِذَا صَحَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْأَصَحِّ، وَمَا فِي الْكَافِي مِنْ قَوْلِهِ فَصَارَتْ الشُّحُومُ أَرْبَعَةً: شَحْمُ الظَّهْرِ. وَشَحْمٌ مُخْتَلِطٌ بِالْعَظْمِ، وَشَحْمٌ عَلَى ظَاهِرِ الْأَمْعَاءِ. وَشَحْمُ الْبَطْنِ، فَفِي شَحْمِ الْبَطْنِ يَحْنَثُ بِالِاتِّفَاقِ، وَالثَّلَاثَةُ عَلَى الِاخْتِلَافِ لَا يَخْلُو مِنْ نَظَرٍ، بَلْ لَا يَنْبَغِي خِلَافٌ فِي عَدَمِ الْحِنْثِ بِمَا فِي الْعَظْمِ. قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ: إنَّ أَحَدًا لَمْ يَقُلْ بِأَنَّ مُخَّ الْعَظْمِ شَحْمٌ اهـ.
وَكَذَا لَا يَنْبَغِي خِلَافٌ فِي الْحِنْثِ بِمَا عَلَى الْأَمْعَاءِ لِأَنَّهُ لَا يُخْتَلَفُ فِي تَسْمِيَتِهِ شَحْمًا (قَوْلُهُ وَقِيلَ هَذَا) أَيْ الْخِلَافُ فِيمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute