(وَإِنْ أَكَلَ لَحْمَ خِنْزِيرٍ أَوْ لَحْمَ إنْسَانٍ يَحْنَثُ) لِأَنَّهُ لَحْمٌ حَقِيقِيٌّ إلَّا أَنَّهُ حَرَامٌ. وَالْيَمِينُ قَدْ تُعْقَدُ لِلْمَنْعِ مِنْ الْحَرَامِ
وَأَيْضًا يَمْنَعُ أَنَّ اسْمَ اللَّحْمِ بِاعْتِبَارِ الِانْعِقَادِ مِنْ الدَّمِ بَلْ بِاعْتِبَارِ الِالْتِحَامِ وَالْأَيْمَانُ لَا تُبْنَى عَلَى الِاسْتِعْمَالِ الْقُرْآنِيِّ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً فَرَكِبَ كَافِرًا أَوْ لَا يَجْلِسُ عَلَى وَتَدٍ فَجَلَسَ عَلَى جَبَلٍ لَا يَحْنَثُ مَعَ تَسْمِيَتِهَا فِي الْقُرْآنِ دَابَّةً وَأَوْتَادًا، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ، أَمَّا إذَا نَوَاهُ فَأَكَلَ سَمَكًا طَرِيًّا أَوْ مَالِحًا حَنِثَ.
[فَرْعٌ]
لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ مِنْ مَرَقِهِ لَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا كَانَ نَوَاهُ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَكَلَ لَحْمَ خِنْزِيرٍ أَوْ لَحْمَ إنْسَانٍ يَحْنَثُ) لِأَنَّهُ لَحْمٌ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّهُ حَرَامٌ وَالْيَمِينُ تَنْعَقِدُ عَلَى الْحَرَامِ مَنْعًا وَحَمْلًا وَإِنْ وَجَبَ فِي الْحَمْلِ أَنْ يَحْنَثَ، بِخِلَافِ النَّذْرِ لِلنَّصِّ «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى» وَلَمَّا كَانَ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْأَيْمَانَ تُبْنَى عَلَى الْعُرْفِ وَلَا تَذْهَبُ الْأَوْهَامُ فِي أَكْلِ اللَّحْمِ إلَى أَكْلِ لَحْمِ الْآدَمِيِّ وَالْخِنْزِيرِ وَإِنْ سُمِّيَ فِي الْعُرْفِ لَحْمُ الْآدَمِيِّ لَحْمًا وَكَذَا لَحْمُ الْخِنْزِيرِ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْعُرْفُ فِي قَوْلِنَا أَكَلَ فُلَانٌ لَحْمًا كَمَا فَعَلْنَا فِي لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ فُلَانٍ اُعْتُبِرَ الْعُرْفُ فِي رَكِبَ فَإِنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْهُ رُكُوبُ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ فَتَقَيَّدَ الرُّكُوبُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بِهِ.
ثُمَّ نَقَلَ الْعَتَّابِيُّ خِلَافَهُ فَقَالَ: قِيلَ الْحَالِفُ إذَا كَانَ مُسْلِمًا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ لِأَنَّ أَكْلَهُ لَيْسَ بِمُتَعَارَفٍ، وَمَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ قَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي الْكَافِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَمَا قِيلَ الْعُرْفُ الْعَمَلِيُّ لَا يُقَيِّدُ اللَّفْظَ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ فِي نِكَاحِ الْفُضُولِيِّ رَدَّا عَلَى الْمُصَنِّفِ هُنَاكَ. وَأَوْرَدَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ فَكَيْفَ تَجِبُ بِفِعْلٍ هُوَ حَرَامٌ مَحْضٌ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحِلَّ وَالْحُرْمَةَ إنَّمَا يُرَاعَيَانِ فِي السَّبَبِ وَالسَّبَبُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَالْيَمِينِ وَإِنْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِالْيَمِينِ وَالْحِنْثِ، وَإِنَّمَا عَلِقَ بِهِمَا حَتَّى لَا يَجُوزَ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْحِنْثِ وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ هُوَ الْيَمِينُ وَحْدَهُ لِيَكُونَ سَبَبُ الْكَفَّارَةِ مَوْصُوفًا بِالْإِبَاحَةِ وَالْحُرْمَةِ الْإِبَاحَةُ لِلْيَمِينِ وَالْحَظْرُ لِلْحِنْثِ، وَهَذَا انْصِرَافٌ عَنْ الْمَذْهَبِ الْمُجْمَعِ عَلَى نَقْلِهِ مِنْ أَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْحِنْثُ وَكَوْنُهُ الْيَمِينَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَإِلْقَاءُ الشَّرَاشِرِ عَلَيْهِ، وَكَانَ يُغْنِي عَنْ التَّهَالُكِ فِي إثْبَاتِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ تَسْلِيمًا أَنَّ الْيَمِينَ سَبَبٌ، وَلَكِنَّا شَرَطْنَا لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ الْحِنْثَ لِمَا ذُكِرَ، وَحِينَئِذٍ لَا خِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، وَيُوجِبُ بُطْلَانَ مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ فِي الْجَوَابِ مِنْ أَنَّ الْإِضَافَةَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ إلَى الشَّرْطِ لَا إلَى السَّبَبِ، وَكُلُّ هَذَا بِسَبَبِ الْتِزَامِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ فِي الْيَمِينِ لِسَتْرِ الْجِنَايَةِ الثَّابِتَةِ بِالْحِنْثِ، وَنَحْنُ جَعَلْنَاهَا جَبْرًا لِحُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى الْفَائِتَةِ بِالْحِنْثِ مَعْصِيَةً كَانَ الْحِنْثُ أَوْ طَاعَةً وَاجِبَةً أَوْ مَنْدُوبَةً، وَهَذَا لِأَنَّ الْحِنْثَ إذَا كَانَ وَاجِبًا اسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا، وَمَا يُظَنُّ مِنْ أَنَّهُ يَصِحُّ وَاجِبًا حَرَامًا مِنْ وَجْهَيْنِ تَوَهُّمٌ، وَإِلَّا فَمَعْنَى الْوَاجِبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute