(وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الدَّقِيقِ فَأَكَلَ مِنْ خُبْزِهِ حَنِثَ) لِأَنَّ عَيْنَهُ غَيْرُ مَأْكُولٍ فَانْصَرَفَ إلَى مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ (وَلَوْ اسْتَفَّهُ كَمَا هُوَ لَا يَحْنَثُ) هُوَ الصَّحِيحُ لِتَعَيُّنِ الْمَجَازِ مُرَادًا.
(وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا فَيَمِينُهُ عَلَى مَا يُعْتَادُ أَهْلُ الْمِصْرِ أَكْلَهُ خُبْزًا) وَذَلِكَ خُبْزُ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُعْتَادُ فِي غَالِبِ الْبُلْدَانِ (وَلَوْ أَكَلَ مِنْ خُبْزِ الْقَطَائِفِ لَا يَحْنَثُ) لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى خُبْزًا مُطْلَقًا إلَّا إذَا نَوَاهُ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ (وَكَذَا لَوْ أَكَلَ خُبْزَ الْأُرْزِ بِالْعِرَاقِ لَمْ يَحْنَثْ)
حِنْطَةً يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ أَكْلُ عَيْنِهَا كَمَا يُرَادُ مَا يُخْبَزُ مِنْ دَقِيقِهَا فَيَتَرَجَّحُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لِتَرَجُّحِ الْحَقِيقَةِ عِنْدَ مُسَاوَاةِ الْمَجَازِ، لَا يُقَالُ: أَكْثَرِيَّةُ الْمَعْنَى تُوجِبُ أَكْثَرِيَّةَ اللَّفْظِ الَّذِي يَدُلُّ بِهِ عَلَيْهِ.
لِأَنَّا نَقُولُ: لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ إلَّا لَفْظٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ بِهِ، وَلَيْسَ هُنَا كَذَلِكَ لِأَنَّهُ يُقَالُ أَكَلْت خُبْزَ الْحِنْطَةِ، وَيُقَالُ أَكَلْت الْحِنْطَةَ، بَلْ الْآنَ لَا يُتَعَارَفُ فِي أَكْلِ الْخُبْزِ مِنْهَا إلَّا لَفْظٌ آخَرُ وَهُوَ أَكَلْت الْخُبْزَ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَكْلَ الْخُبْزِ فَيَحْنَثُ بِهِ لَا بِالْقَضْمِ أَوْ الْقَضْمُ فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْخُبْزِ اتِّفَاقًا، وَقَضَمَ يَقْضِمُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ فِي الْمَاضِي وَفَتْحِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَقَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَنْ رِوَايَةِ الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ عِنْدَهُمَا إذَا قَضَمَهَا. وَصَحَّحَهَا فِي الذَّخِيرَةِ. وَرَجَّحَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَقَاضِي خَانْ رِوَايَةَ الْجَامِعِ أَنَّهُ يَحْنَثُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ حَنِثَ فِي الْخُبْزِ أَيْضًا فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِالْقَضْمِ، وَلَا يَلْزَمُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا بَلْ يَكُونُ مِنْ عُمُومِ الْمَجَازِ، كَمَنْ حَلَفَ لَا يَضَعُ قَدَمَهُ فِي دَارِ فُلَانٍ يَحْنَثُ بِالدُّخُولِ زَحْفًا لِجَعْلِهِ مَجَازًا فِي الدُّخُولِ.
وَلَوْ أَكَلَ مِنْ سَوِيقِهَا حَنِثَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فَيَحْتَاجُ أَبُو يُوسُفَ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْخُبْزِ وَالسَّوِيقِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحِنْطَةَ إذَا ذُكِرَتْ مَقْرُونَةً بِالْأَكْلِ يُرَادُ بِهَا الْخُبْزُ دُونَ السَّوِيقِ، وَمُحَمَّدٌ اعْتَبَرَ عُمُومَ الْمَجَازِ، وَهَذَا الْخِلَافُ إذَا حَلَفَ عَلَى حِنْطَةٍ مُعَيَّنَةٍ، أَمَّا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ حِنْطَةً يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ. جَوَابُهُ كَجَوَابِهِمَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ تَحَكُّمٌ. وَالدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ الْمُتَّفَقُ عَلَى إيرَادِهِ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ يَعُمُّ الْمُعَيَّنَةَ وَالْمُنَكَّرَةَ وَهُوَ أَنَّ عَيْنَهَا مَأْكُولٌ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الدَّقِيقِ فَأَكَلَ مِنْ خُبْزِهِ حَنِثَ لِأَنَّ عَيْنَهُ غَيْرُ مَأْكُولٍ فَانْصَرَفَ الْيَمِينُ إلَى مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ) فَيَحْنَثُ بِعَصِيدَتِهِ. وَفِي النَّوَازِلِ لَوْ اتَّخَذَ مِنْهُ خَبِيصًا أَخَافُ أَنْ يَحْنَثَ، فَلَوْ اسْتَفَّ عَيْنَهُ لَا يَحْنَثُ لِتَعَيُّنِ الْمَجَازِ وَهُوَ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ مُرَادًا فِي الْعُرْفِ فَلَا يَحْنَثُ بِغَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ وَإِذَا نَوَاهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْخُبْزِ، وَقَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ كَلَامِهِ. قُلْنَا نَعَمْ وَلَكِنْ حَقِيقَةٌ مَهْجُورَةٌ وَلَمَّا تَعَيَّنَ إرَادَةُ الْمَجَازِ سَقَطَ اعْتِبَارُ الْحَقِيقَةِ كَمَنْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ نَكَحْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ فَزَنَى بِهَا لَا يَحْنَثُ لِانْصِرَافِ يَمِينِهِ إلَى الْعَقْدِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْ الْوَطْءَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا فَيَمِينُهُ عَلَى مَا يَعْتَادُهُ أَهْلُ مِصْرِهِ خُبْزًا وَذَلِكَ خُبْزُ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ لِأَنَّهُ الْمُعْتَادُ فِي غَالِبِ الْبُلْدَانِ) وَلَوْ كَانَ أَهْلُ بَلَدِهِ لَا يُعْتَادُونَ أَكْلَ الشَّعِيرِ لَا يَحْنَثُ بِهِ. وَلَوْ اعْتَادُوا خُبْزَ الذُّرَةِ كَالْحِجَازِ وَالْيُمْنِ حَنِثَ بِأَكْلِهِ وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْقَطَائِفِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ بِأَكْلِ الْكَمَاجِ لِأَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute