لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَادٍ عِنْدَهُمْ حَتَّى لَوْ كَانَ بِطَبَرِسْتَانَ أَوْ فِي بَلْدَةٍ طَعَامُهُمْ ذَلِكَ يَحْنَثُ.
(وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الشِّوَاءَ فَهُوَ عَلَى اللَّحْمِ دُونَ الْبَاذِنْجَانِ وَالْجَزَرِ) لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ اللَّحْمُ الْمَشْوِيُّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مَا يُشْوَى مِنْ بِيضٍ أَوْ غَيْرِهِ لِمَكَانِ الْحَقِيقَةِ.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الطَّبِيخَ فَهُوَ عَلَى مَا يُطْبَخُ مِنْ اللَّحْمِ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ، وَهَذَا لِأَنَّ التَّعْمِيمَ مُتَعَذِّرٌ فَيُصْرَفُ إلَى خَاصٍّ هُوَ مُتَعَارَفٌ وَهُوَ اللَّحْمُ الْمَطْبُوخُ بِالْمَاءِ إلَّا إذَا نَوَى غَيْرَ ذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ تَشْدِيدًا، وَإِنْ أَكَلَ مِنْ مَرَقِهِ يَحْنَثْ لِمَا فِيهِ مِنْ أَجْزَاءِ اللَّحْمِ وَلِأَنَّهُ يُسَمَّى طَبِيخًا.
(وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الرُّءُوسَ فَيَمِينُهُ عَلَى مَا يُكْبَسُ فِي التَّنَانِيرِ وَيُبَاعُ فِي الْمِصْرِ) وَيُقَالُ يُكْنَسُ (وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رَأْسًا فَهُوَ عَلَى
خُبْزٌ وَزِيَادَةٌ، فَالِاخْتِصَاصُ بِاسْمٍ لِلزِّيَادَةِ لَا لِلنَّقْصِ، وَلَا يَحْنَثُ بِالثَّرِيدِ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى خُبْزًا مُطْلَقًا. وَفِي الْخُلَاصَةِ: حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْخُبْزِ فَأَكَلَهُ بَعْدَمَا تَفَتَّتَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى خُبْزًا، وَلَا يَحْنَثُ بِالْعَصِيدِ وَالطَّطْمَاجِ، وَلَا يَحْنَثُ لَوْ دَقَّهُ فَشَرِبَهُ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي حِيلَةِ أَكْلِهِ أَنْ يَدُقَّهُ فَيُلْقِيَهُ فِي عَصِيدَةٍ وَيُطْبَخُ حَتَّى يَصِيرَ الْخُبْزُ هَالِكًا، وَلَا يَحْنَثُ فِي خُبْزِ الْأُرْزِ إلَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَالِفُ فِي بَلْدَةٍ يَعْتَادُونَهُ كَمَا فِي طَبَرِسْتَانَ وَالنِّسْبَةُ إلَيْهَا طَبَرِيٌّ وَهُوَ اسْمُ آمُلَ وَأَعْمَالِهَا.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: سَمِعْت الْقَاضِيَ أَبَا بَكْرٍ الْأَنْصَارِيَّ بِبَغْدَادَ يَقُولُ إنَّمَا هِيَ تَبَرِسْتَانُ لِأَنَّ أَهْلَهَا كَانُوا يُحَارِبُونَ بِالْفَاسِ فَعُرِّبَ فَقِيلَ طَبَرِسْتَانُ. وَقَالَ الْقُتَبِيُّ: طَبَرِسْتَانُ مَعْنَاهُ بِالْفَارِسِيَّةِ أَخَذَهُ الْفَاسُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، وَالْمُرَادُ بِالْفَاسِ الطَّبَرُ وَهُوَ مُعَرَّبُ تَبَرَ، وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا قَالَ السَّمْعَانِيُّ بِقَلِيلِ تَأَمُّلٍ
قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ: وَقَدْ سُئِلْت لَوْ أَنَّ بَدْوِيًّا اعْتَادَ أَكْلَ خُبْزِ الشَّعِيرِ فَدَخَلَ بَلْدَةً الْمُعْتَادُ فِيهَا أَكْلُ خُبْزِ الْحِنْطَةِ وَاسْتَمَرَّ هُوَ لَا يَأْكُلُ إلَّا الشَّعِيرَ فَحَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا فَقُلْت: يَنْعَقِدُ عَلَى عُرْفِ نَفْسِهِ فَيَحْنَثُ بِالشَّعِيرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ عَلَى عُرْفِ النَّاسِ إلَّا إذَا كَالَ الْحَالِفُ يَتَعَاطَاهُ فَهُوَ مِنْهُمْ فِيهِ فَيُصْرَفُ كَلَامُهُ إلَيْهِ لِذَلِكَ، وَهَذَا مُنْتَفٍ فِيمَنْ لَمْ يُوَافِقْهُمْ بَلْ هُوَ مُجَانِبٌ لَهُمْ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شِوَاءً فَهُوَ عَلَى اللَّحْمِ فَقَطْ دُونَ الْبَاذِنْجَانِ وَالْجَزَرِ) الْمَشْوِيَّيْنِ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ فِي الْعُرْفِ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يُشْوَى مِنْ بِيضٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كَالْفُولِ الْأَخْضَرِ الَّذِي يُسَمَّى فِي عُرْفِنَا شَوِيُّ الْعَرَبِ وَقَوْلُنَا فِي ذَلِكَ قَوْلُ أَحْمَدَ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الطَّبِيخَ فَهُوَ عَلَى مَا يُطْبَخُ مِنْ اللَّحْمِ) يَعْنِي بِالْمَاءِ حَتَّى إنَّ مَا يُتَّخَذُ قَلِيَّةً مِنْ اللَّحْمِ لَا يُسَمَّى طَبِيخًا فَلَا يَحْنَثُ بِهِ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ بِالْعُرْفِ لِأَنَّ التَّعْمِيمَ مُتَعَذِّرٌ لِأَنَّ الدَّوَاءَ مِمَّا يُطْبَخُ، وَكَذَا الْفُولُ الَّذِي يُسَمَّى فِي عُرْفِنَا الْفُولُ الْحَارُّ، وَلَا يُقَالُ لِآكِلِهِ آكِلُ طَبِيخًا فَيَنْصَرِفُ إلَى خَاصٍّ هُوَ أَخَصُّ الْخُصُوصِ وَهُوَ اللَّحْمُ الْمَطْبُوخُ بِمَرَقٍ وَهُوَ مُتَعَارَفٌ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَهُ مِنْ الْبَاذِنْجَانِ مِمَّا يُطْبَخُ فَيَحْنَثُ بِهِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَحْنَثُ بِالْأُرْزِ الْمَطْبُوخِ بِلَا لَحْمٍ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: يَحْنَثُ بِالْأُرْزِ إذَا طُبِخَ بِوَدَكٍ فَإِنَّهُ يُسَمَّى طَبِيخًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ طُبِخَ بِزَيْتٍ أَوْ سَمْنٍ.
قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ: الطَّبِيخُ يَقَعُ عَلَى الشَّحْمِ أَيْضًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ اللَّحْمَ بِالْمَاءِ طَبِيخٌ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنَّهُ هُوَ الْمُتَعَارَفُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِهِ، وَلَوْ أَكَلَ مِنْ مَرَقِ اللَّحْمِ حَنِثَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: لِمَا فِيهِ مِنْ أَجْزَاءِ اللَّحْمِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ الْمَرَقَ الَّذِي طُبِخَ فِيهِ اللَّحْمُ حَنِثَ، وَقَدَّمْنَاهُ مِنْ الْمَنْقُولِ خِلَافُهُ. وَالْوَجْهُ مَا ذَكَرَهُ ثَانِيًا مِنْ قَوْلِهِ وَلِأَنَّهُ يُسَمَّى طَبِيخًا: يَعْنِي فِي الْعُرْفِ، بِخِلَافِ مَرَقِ اللَّحْمِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى لَحْمًا فِي الْعُرْفِ.
(قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الرُّءُوسَ فَيَمِينُهُ عَلَى مَا يُكْبَسُ فِي التَّنَانِيرِ) فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ وَيُبَاعُ فِيهَا مِنْ رُءُوسِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ.