. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
اُصْطُبِغَ بِهِ وَلَا يُقَالُ اصْطَبَغَ الْخُبْزَ، وَمَا لَمْ يَصْبُغْ الْخُبْزَ مِمَّا لَهُ جُرْمٌ كَجُرْمِ الْخُبْزِ وَهُوَ بِحَيْثُ يُؤْكَلُ وَحْدَهُ لَيْسَ بِإِدَامٍ كَاللَّحْمِ وَالْبِيضِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: مَا يُؤْكَلُ مَعَ الْخُبْزِ غَالِبًا فَهُوَ إدَامٌ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ ﵏. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا يُصْبَغُ بِهِ كَالْخَلِّ وَمَا ذَكَرْنَا إدَامٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَمَا يُؤْكَلُ وَحْدَهُ غَالِبًا كَالْبِطِّيخِ وَالْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَأَمْثَالِهَا لَيْسَ إدَامًا بِالْإِجْمَاعِ: أَيْ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْبِطِّيخِ وَالْعِنَبِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، خِلَافًا لِمَا قِيلَ إنَّهُمَا عَلَى الْخِلَافِ، وَمِمَّنْ صَحَّحَ الِاتِّفَاقَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ. وَفِي الْمُحِيطِ قَالَ مُحَمَّدٌ: التَّمْرُ وَالْجَوْزُ لَيْسَا بِإِدَامٍ، وَكَذَا الْعِنَبُ وَالْبِطِّيخُ وَالْبَقْلُ، وَكَذَا سَائِرُ الْفَوَاكِهِ، وَلَوْ كَانَ فِي بَلَدٍ يُؤْكَلَانِ تَبَعًا لِلْخُبْزِ يَكُونُ إدَامًا، أَمَّا الْبُقُولُ فَلَيْسَتْ بِإِدَامٍ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ آكِلَهَا لَا يُسَمَّى مُؤْتَدِمًا إلَّا مَا قَدْ يُقَالُ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَكْلِهِمْ الْكُرَّاثَ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْبُقُولُ وَالْبَصَلُ وَسَائِرُ الثِّمَارِ إدَامٌ.
وَفِي التَّمْرِ عِنْدَهُ وَجْهَانِ: فِي وَجْهٍ إدَامٌ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ ﷺ وَضَعَ تَمْرَةً عَلَى كِسْرَةٍ وَقَالَ هَذِهِ إدَامُ هَذِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَفِي وَجْهٍ آخَرَ: لَيْسَ إدَامًا لِأَنَّهُ فَاكِهَةً كَالزَّبِيبِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْجُبْنِ وَالْبِيضِ وَاللَّحْمِ، فَجَعَلَهَا مُحَمَّدٌ إدَامًا لِأَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ وَحْدَهَا غَالِبًا فَكَانَتْ تَبَعًا لِلْخُبْزِ وَمُوَافَقَةً لَهُ، وَالْمُؤَادَمَةُ الْمُوَافَقَةُ وَمِنْهُ «قَوْلُهُ ﷺ لِلْمُغِيرَةِ حِينَ خَطَبَ امْرَأَةً: لَوْ نَظَرْتَ إلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» أَيْ يُوَفَّقَ، فَمَا يُؤْكَلُ غَالِبًا تَبَعًا لِلْخُبْزِ مُوَافِقًا لَهُ إدَامٌ وَالْجُبْنُ وَأَخَوَاهُ كَذَلِكَ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ عَنْهُ ﷺ «سَيِّدُ الْإِدَامِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اللَّحْمُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
وَيُقَالُ إنَّ مَلِكَ الرُّومِ كَتَبَ إلَى مُعَاوِيَةَ أَنْ ابْعَثْ إلَيَّ بِشَرِّ إدَامٍ عَلَى يَدِ شَرِّ رَجُلٍ، فَبَعَثَ إلَيْهِ جُبْنًا عَلَى يَدِ رَجُلٍ يَسْكُنُ فِي بَيْتِ أَصْهَارِهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ، وَبِقَوْلِ مُحَمَّدٍ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْإِدَامَ مَا يُؤْكَلُ تَبَعًا، فَمَا يُؤْكَلُ وَحْدَهُ وَلَوْ أَحْيَانَا لَيْسَ إدَامًا وَهَذَا لِأَنَّهُ مِنْ الْمُؤَادَمَةِ وَهِيَ الْمُوَافَقَةُ وَذَلِكَ بِأَنْ يَصِيرَ مَعَ الْخُبْزِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ وَهِيَ بِأَنْ يَقُومَ بِهِ قِيَامَ الصَّبْغِ بِالثَّوْبِ وَهُوَ أَنْ يَنْغَمِسَ فِيهِ جِسْمُهُ إذْ حَقِيقَةُ الْقِيَامِ غَيْرُ مُرَادَةٍ لِأَنَّ الْخَلَّ وَنَحْوَهُ لَيْسَ عَرَضَا يَقُومُ بِالْجَوْهَرِ. وَالْأَجْرَامُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ الْبِيضِ وَمَا مَعَهُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَيْسَتْ بِإِدَامٍ. وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنْ اُعْتُبِرَ فِي مُسَمَّى الْإِدَامِ بِحَيْثُ يُؤْكَلُ تَبَعًا لِلْخُبْزِ مُوَافِقًا، سَلَّمْنَاهُ وَلَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ مَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ كَذَلِكَ. وَإِنْ اُعْتُبِرَ فِيهِ كَوْنُهُ لَا يُؤْكَلُ إلَّا تَبَعًا مَنَعْنَاهُ.
نَعَمْ مَا لَا يُؤْكَلُ إلَّا تَبَعًا مُوَافِقًا أَكْمَلُ فِي مُسَمَّى الْإِدَامِ، لَكِنَّ الْإِدَامَ لَا يَخُصُّ اسْمُهُ الْأَكْمَلَ مِنْهُ. وَاسْتُدِلَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَيْضًا بِأَنَّهُ يُرْفَعُ إلَى الْفَمِ وَحْدَهُ بَعْدَ الْخُبْزِ أَوْ قَبْلَهُ فَلَا تَتَحَقَّقُ التَّبَعِيَّةُ، بِخِلَافِ الْمُصْطَبَغِ بِهِ. وَأُجِيبَ عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّ كَوْنَهُ سَيِّدَ الْإِدَامِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ إدَامًا، إذْ قَدْ يُقَالُ فِي الْخَلِيفَةِ سَيِّدُ الْعَجَمِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْهُمْ. وَأَمَّا حِكَايَةُ مُعَاوِيَةَ فَيَتَوَقَّفُ الِاسْتِدْلَال بِهَا عَلَى صِحَّتِهَا وَهِيَ بَعِيدَةٌ مِنْهَا إذْ يَبْعُدُ مِنْ إمَامٍ عَالِمٍ أَنْ يَتَكَلَّفَ إرْسَالَ شَخْصٍ إلَى بِلَادِ الرُّومِ مُلْتَزِمًا لِمُؤْنَتِهِ لِغَرَضٍ مُهْمَلٍ لِكَافِرٍ. وَالسُّكْنَى فِي بَيْتِ الصِّهْرِ فَقَطْ لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ السَّاكِنُ شَرَّ رَجُلٍ، فَآثَارُ الْبُطْلَانِ تَلُوحُ عَلَى هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَدَفْعُ الِاسْتِدْلَالِ لَهُمَا بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ التَّبَعِيَّةُ فِي الْأَكْلِ، وَالْأَكْلُ هُوَ فِعْلُ الْفَمِ وَالْحَلْقِ وَهُمَا مُخْتَلِطَانِ فِيهِ ثَمَّةَ فَتَحْصُلُ التَّبَعِيَّةُ حِينَئِذٍ.
وَيُدْفَعُ بِأَنَّ كَوْنَ التَّبَعِيَّةِ فِي الْفَمِ بَعْدَ رَفْعِ كُلٍّ عَلَى حِدَتِهِ تُحَكَّمُ إذْ هُمَا فِيهِ إذًا جِسْمَانِ مُتَكَافِئَانِ لَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا تَبَعًا لِلْآخَرِ، بِخِلَافِ مَا رُفِعَ صِبْغًا لِلْخُبْزِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ سَدُّ الْجُوعِ بِالْخُبْزِ لَا بِالصِّبْغِ. وَأَمَّا الْجِسْمَانِ الْمُتَكَافِئَانِ فَكُلٌّ يَصْلُحُ لِرَفْعِ الْجُوعِ غَيْرَ مُفْتَقِرٍ إلَى الْآخَرِ فِي رَفْعِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute