(وَإِذَا حَلَفَ لَا يَتَغَدَّى فَالْغَدَاءُ الْأَكْلُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الظُّهْرِ وَالْعَشَاءُ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ) لِأَنَّ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ يُسَمَّى عِشَاءً وَلِهَذَا تُسَمَّى الظُّهْرُ إحْدَى صَلَاتَيْ الْعِشَاءِ فِي الْحَدِيثِ (وَالسُّحُورُ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ) لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ السَّحَرِ وَيُطْلَقُ عَلَى مَا يَقْرُبُ مِنْهُ.
قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ: وَهَذَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ عَلَى عَكْسِ اخْتِلَافِهِمْ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ إلَّا رَغِيفًا فَأَكَلَ مَعَهُ الْبِيضَ وَنَحْوَهُ لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَهُمَا وَحَنِثَ عِنْد مُحَمَّدٍ.
(قَوْلُهُ وَإِذَا حَلَفَ لَا يَتَغَدَّى فَالْغَدَاءُ الْأَكْلُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الظُّهْرِ وَالْعَشَاءُ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْمَدِّ (مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ) وَهَذَا تَسَاهُلٌ مَعْرُوفُ الْمَعْنَى لَا يُعْتَرَضُ بِهِ. فَإِنَّ الْغَدَاءَ وَالْعَشَاءَ اسْمٌ لِمَا يُؤْكَلُ فِي الْوَقْتَيْنِ لَا لِلْأَكْلِ فِيهِمَا.
فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ فَالتَّغَدِّي الْأَكْلُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَالتَّعَشِّي الْأَكْلُ مِنْ الظُّهْرِ إلَخْ، لِأَنَّ مَا بَعْدَ الظُّهْرِ يُسَمَّى عِشَاءً بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَلِهَذَا سُمِّيَ الظُّهْرُ إحْدَى صَلَاتَيْ الْعِشَاءِ فِي الْحَدِيثِ، إذْ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إحْدَى صَلَاتَيْ الْعِشَاءِ» وَفُسِّرَتْ بِأَنَّهَا الظُّهْرُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ. هَذَا وَتَفْسِيرُ التَّغَدِّي بِالْأَكْلِ مِنْ الْفَجْرِ إلَى آخِرِهِ مَذْكُورٌ فِي التَّجْرِيدِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَوَقْتُ التَّغَدِّي مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ، وَيُشْبِهُ كَوْنَهُ نَقْلًا عَنْ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَفِيهَا التَّسَحُّرُ بَعْدَ ذَهَابِ ثُلُثَيْ اللَّيْلِ، وَيُوَافِقُهُ مَا عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَى السَّحَرِ قَالَ: إذَا دَخَلَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ فَكَلَّمَهُ لَمْ يَحْنَثْ وَقَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: وَقْتُ الْغَدَاءِ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ، وَوَقْتُ الْعَشَاءِ مِنْ بَعْدِ الزَّوَالِ إلَى أَنْ يَمْضِيَ أَكْثَرُ اللَّيْلِ، وَوَقْتُ السُّحُورِ مِنْ مُضِيِّ أَكْثَرِ اللَّيْلِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا فِي عُرْفِهِمْ، وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا: وَقْتُ الْعَشَاءِ مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعَصْرِ انْتَهَى.
فَعُرْفُهُمْ كَانَ مُوَافِقًا لِلُّغَةِ لِأَنَّ الْغَدْوَةَ اسْمٌ لِأَوَّلِ النَّهَارِ، وَمَا قَبْلَ الزَّوَالِ أَوَّلُهُ فَالْأَكْلُ فِيهِ تَغَدٍّ، وَقَدْ أُطْلِقَ السُّحُورُ غَدَاءً فِي «قَوْلِهِ ﷺ لِعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ هَلُمَّ إلَى الْغَدَاءِ الْمُبَارَكِ» وَلَيْسَ إلَّا مَجَازًا لِقُرْبِهِ مِنْ الْغَدَاةِ، وَكَذَا السُّحُورُ لَمَّا كَانَ لَا يُؤْكَلُ فِي السَّحَرِ وَالسَّحَرُ مِنْ الثُّلُثِ الْأَخِيرِ سُمِّيَ مَا يُؤْكَلُ فِي النِّصْفِ الثَّانِي لِقُرْبِهِ مِنْ الثُّلُثِ الْأَخِيرِ سَحُورًا بِفَتْحِ السِّينِ وَالْأَكْلُ فِيهِ تَسَحُّرًا، وَالتَّضَحِّي الْأَكْلُ فِي وَقْتِ الضُّحَى وَيُسَمَّى الضَّحَاءُ أَيْضًا بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ، وَوَقْتُ الضُّحَى مِنْ حِينَ تَحِلُّ الصَّلَاةُ إلَى أَنْ تَزُولَ، وَأَصْلُ هَذِهِ فِي مَسَائِلِ الْقَضَاءِ.
قَالَ السَّرَخْسِيُّ فِيمَنْ حَلَفَ لَيُعْطِيَن فُلَانًا حَقَّهُ ضَحْوَةً: فَوَقْتُ الضَّحْوَةِ مِنْ حِينَ تَبْيَضُّ الشَّمْسُ إلَى أَنْ تَزُولَ، وَإِنْ قَالَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ حَتَّى تَطْلُعَ فَلَهُ مِنْ حِينَ تَطْلُعُ إلَى أَنْ تَبْيَضَّ لِأَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ. وَالنَّهْيُ يَمْتَدُّ إلَى أَنْ تَبْيَضَّ.
وَالْمَسَاءُ مَسَاءَانِ أَحَدُهُمَا مَا بَعْدَ الزَّوَالِ، وَالْآخَرُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَأَيَّهمَا نَوَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ حَلَفَ بَعْدَ الزَّوَالِ لَا يَفْعَلُ كَذَا حَتَّى يُمْسِيَ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهُوَ عَلَى غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُ الْيَمِينِ عَلَى الْمَسَاءِ الْأَوَّلِ فَيُحْمَلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute