(وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَأَذِنَ لَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْإِذْنِ حَتَّى كَلَّمَهُ حَنِثَ) لِأَنَّ الْإِذْنَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْأَذَانِ الَّذِي هُوَ الْإِعْلَامُ، أَوْ مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْإِذْنِ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالسَّمَاعِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْإِذْنَ هُوَ الْإِطْلَاقُ، وَأَنَّهُ يَتِمُّ بِالْآذِنِ كَالرِّضَا. قُلْنَا: الرِّضَا مِنْ أَعْمَالِ الْقَلْبِ، وَلَا كَذَلِكَ الْإِذْنُ عَلَى مَا مَرَّ.
قَالَ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ شَهْرًا فَهُوَ مِنْ حِينِ حَلَفَ) لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الشَّهْرَ لَتَأَبَّدَ الْيَمِينُ فَذَكَرَ الشَّهْرَ لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَهُ فَبَقِيَ الَّذِي يَلِي يَمِينَهُ
فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ
(قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَأَذِنَ لَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْإِذْنِ حَتَّى كَلَّمَهُ حَنِثَ لِأَنَّ الْإِذْنَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْأَذَانِ) أَيْ بِالِاشْتِقَاقِ الْكَبِيرِ (أَوْ مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْإِذْنِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالسَّمَاعِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَحْنَثُ) وَهَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَقْطَعُ فِي شَرْحِهِ حَيْثُ قَالَ ظَاهِرُ قَوْلِهِمْ يَحْنَثُ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَحْنَثُ. وَوَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ أَنَّ الْإِذْنَ هُوَ الْإِطْلَاقُ، وَأَنَّهُ يَتِمُّ بِالْآذِنِ كَالرِّضَا، فَإِنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَّا بِرِضَا فُلَانٍ فَرَضِيَ وَلَمْ يَعْلَمْ الْحَالِفُ حَتَّى كَلَّمَهُ لَا يَحْنَثُ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ الرِّضَا مِنْ عَمَلِ الْقَلْبِ وَلَا كَذَلِكَ الْإِذْنُ، نَعَمْ هُوَ يَتَضَمَّنُ الرِّضَا ظَاهِرًا لَكِنَّ مَعْنَاهُ الْإِعْلَامُ بِالرِّضَا فَلَا يَتَحَقَّقُ بِمُجَرَّدِ الرِّضَا، وَمَا نُوقِضَ بِهِ مِنْ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي التَّتِمَّةِ وَالْفَتَاوَى الصُّغْرَى إذَا أَذِنَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ وَالْعَبْدُ لَا يَعْلَمُ يَصِحُّ الْإِذْنُ حَتَّى إذَا عَلِمَ يَصِيرُ مَأْذُونًا.
دُفِعَ بِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى نَقِيضِ مَقْصُودِ الْمَوْرِدِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى عَدَمِ الْإِذْنِ قَبْلَ الْعِلْمِ حَيْثُ قَالَ: حَتَّى إذَا عَلِمَ صَارَ مَأْذُونًا فَعَرَفَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ قَبْلَ الْعِلْمِ حُكْمُ الْإِذْنِ. يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ: أَذِنَ لِعَبْدِهِ فَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَلَا أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ فَتَصَرَّفَ الْعَبْدُ ثُمَّ عَلِمَ بِإِذْنِهِ لَمْ يَجُزْ تَصَرُّفُهُ، غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّ الْإِذْنَ يَثْبُتُ مَوْقُوفًا عَلَى الْعِلْمِ فَسَقَطَ تَكَلُّفُ جَوَابِهِ. وَقَوْلُهُ عَلَى مَا مَرَّ: يَعْنِي مَا تَقَدَّمَ آنِفًا مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّ الْإِذْنَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْأَذَانِ إلَخْ
(قَوْلُهُ وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ شَهْرًا فَهُوَ) أَيْ ابْتِدَاءُ الشَّهْرِ (مِنْ حِينِ حَلَفَ) لِأَنَّ دَلَالَةَ حَالِهِ وَهُوَ غَيْظُهُ الْبَاعِثُ عَلَى الْحَلِفِ يُوجِبُ تَرْكَ الْكَلَامِ مِنْ الْآنِ، وَنَظِيرُهُ إذَا أَجَّرَهُ شَهْرًا لِأَنَّ الْعُقُودَ تُرَادُ لِدَفْعِ الْحَاجَةِ الْقَائِمَةِ فِي الْحَالِ ظَاهِرًا، فَكَانَ ابْتِدَاؤُهُ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْتَبِرْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute