دَخْلًا عَمَلًا بِدَلَالَةِ حَالِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَأَصُومَنَّ شَهْرًا لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الشَّهْرَ لَمْ تَتَأَبَّدْ الْيَمِينُ فَكَانَ ذِكْرُهُ لِتَقْدِيرِ الصَّوْمِ بِهِ وَأَنَّهُ مُنَكِّرٌ فَالتَّعْيِينُ إلَيْهِ
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ فَقَرَأَ الْقُرْآنَ فِي صَلَاتِهِ لَا يَحْنَثُ. وَإِنْ قَرَأَ فِي غَيْرِ صَلَاتِهِ حَنِثَ) وَعَلَى هَذَا التَّسْبِيحُ وَالتَّهْلِيلُ وَالتَّكْبِيرُ، وَفِي الْقِيَاسِ يَحْنَثُ فِيهِمَا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ كَلَامٌ حَقِيقَةٌ. وَلَنَا أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ لَيْسَ بِكَلَامٍ عُرْفًا وَلَا شَرْعًا، قَالَ ﵊ «إنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ» وَقِيلَ فِي عُرْفِنَا لَا يَحْنَثُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُتَكَلِّمًا بَلْ قَارِئًا وَمُسَبِّحًا
مِنْ الْحَالِ فَسَدَ الْعَقْدُ لِجَهَالَةِ الْمُدَّةِ بِجَهَالَةِ ابْتِدَائِهَا وَكَذَا آجَالُ الدُّيُونِ، وَأَمَّا الْأَجَلُ فِي قَوْلِهِ كَفَلْت لَك بِنَفْسِهِ إلَى شَهْرٍ؛ اُخْتُلِفَ فِي أَنَّهَا لِبَيَانِ ابْتِدَاءِ الْمُدَّةِ أَوْ لِانْتِهَائِهَا، فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لِانْتِهَاءِ الْمُطَالَبَةِ فَلَا يَلْزَمُ بِإِحْضَارِهِ بَعْدَ الشَّهْرِ وَأَلْحَقَاهَا بِآجَالِ الدُّيُونِ فَجَعَلَاهَا لِبَيَانِ ابْتِدَائِهَا فَلَا يَلْزَمُ بِإِحْضَارِهِ قَبْلَ الشَّهْرِ، وَهُوَ أَحْسَنُ لِأَنَّ الْأَجَلَ فِي مِثْلِهِ لِلتَّرْفِيهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَأَصُومَنَّ شَهْرًا فَإِنَّهُ نَكِرَةً فِي الْإِثْبَاتِ، وَإِنَّمَا يُوجِبُ شَهْرًا شَائِعًا يُعَيِّنُهُ الْحَلِفُ وَلَا مُوجِبَ لِصَرْفِهِ إلَى الْحَالِ وَأَمَّا الْمُصَنِّفُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الشَّهْرَ تَتَأَبَّدُ فَكَانَ ذِكْرُ الشَّهْرِ لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَهُ فَبَقِيَ مَا يَلِي يَمِينُهُ دَاخِلًا عَمَلًا بِدَلَالَةِ حَالِهِ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ وَجْهٌ وَاحِدٌ حَيْثُ لَمْ يَعْطِفْ قَوْلَهُ عَمَلًا بِدَلَالَةِ حَالِهِ بِالْوَاوِ، وَمِنْ الشَّارِحِينَ مَنْ قَرَّرَهُ وَجْهَيْنِ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْحَالِ وَحْدَهَا تَسْتَقِلُّ بِصَرْفِ الِابْتِدَاءِ إلَى مَا يَلِي الْحَلِفَ كَمَا ذَكَرْنَا، وَمَا قَبْلَهُ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ أَطْلَقَ تَأَبَّدَ مُتَّصِلًا بِالْإِيجَابِ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ ذِكْرَ الشَّهْرِ لَا دَلَالَةَ لَهُ سِوَى عَلَى تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ الْخَاصَّةِ ثُمَّ الزَّائِدُ عَلَيْهِ مُنْتَفٍ بِالْأَصْلِ لَا بِدَلَالَتِهِ عَلَى النَّفْي، وَلَوْ فُرِضَ لَهُ دَلَالَةً عَلَى نَفْيِ الزَّائِدِ عَلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْ كَوْنُ ذَلِكَ الزَّائِدِ هُوَ مَا يَلِي شَهْرًا ابْتِدَاؤُهُ مِنْ الْحَالِ فَلِذَا جَعَلَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ عَمَلًا بِدَلَالَةِ حَالِهِ هُوَ الْمُعَيَّنُ لِابْتِدَائِهَا فَكَانَ وَجْهًا وَاحِدًا، إلَّا أَنَّك عَلِمْت مِنْ تَقْرِيرِنَا أَنْ لَا حَاجَةَ إلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْ لُزُومِ التَّأْبِيدِ وَالْإِخْرَاجِ.
وَأَمَّا مَا فَرَّعَ عَلَى اسْتِقْلَالِ الْإِخْرَاجِ مِمَّا ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ مِنْ قَوْلِهِ إنْ تَرَكْت الصَّوْمَ شَهْرًا أَوْ كَلَامَهُ شَهْرًا تَنَاوَلَ شَهْرًا مِنْ حِينِ حَلَفَ لِأَنَّ تَرْكَ الصَّوْمِ وَالْكَلَامِ مُطْلَقًا يَتَنَاوَلُ الْأَبَدَ فَذَكَرَ الْوَقْتَ لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَهُ، وَكَذَا إنْ لَمْ أُسَاكِنْهُ فَالْكُلُّ مُشْكِلٌ بَلْ لَوْ تَرَكَ الصَّوْمَ شَهْرًا فِي عُمْرِهِ حَنِثَ وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْهُ مُتَّصِلًا بِالْحَلِفِ وَهُوَ تَحْمِيلُ اللَّفْظِ مَا لَمْ يُوجِبْهُ. نَعَمْ إنْ كَانَ فِي مِثْلِهِ عُرْفٌ يَصْرِفُهُ إلَى الْوَصْلِ بِالْحَلِفِ وَإِلَّا فَلَا
(قَوْلُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ فَقَرَأَ الْقُرْآنَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ قَرَأَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ حَنِثَ، وَعَلَى هَذَا التَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ) إذَا فَعَلَهُ فِي الصَّلَاةِ لَا يَحْنَثُ وَخَارِجِهَا يَحْنَثُ، وَهَذَا جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ. وَفِي الْقِيَاسِ يَحْنَثُ فِيهِمَا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ أَيْ الْقُرْآنَ وَالذَّكَرَ كَلَامٌ حَقِيقَةٌ. وَلَنَا أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ لَيْسَ بِكَلَامٍ عُرْفًا وَلَا شَرْعًا لِقَوْلِهِ ﷺ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ، وَإِنَّ مِمَّا أَحْدَثَ أَنْ لَا يُتَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ قَوْلِهِ ﷺ «إنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ» فَقِيلَ عَلَيْهِ إنَّمَا نَفَى عَنْهَا كَلَامَ النَّاسِ، وَلَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْكَلَامِ مُطْلَقًا، وَهَذَا التَّفْصِيلُ جَوَابُ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَلَمَّا كَانَ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ، وَفِي الْعُرْفِ الْمُتَأَخِّرِ لَا يُسَمَّى التَّسْبِيحُ وَالْقُرْآنُ أَيْضًا وَمَا مَعَهُ كَلَامًا حَتَّى إنَّهُ يُقَالُ لِمَنْ سَبَّحَ طُولَ يَوْمِهِ أَوْ قَرَأَ لَمْ يَتَكَلَّمْ الْيَوْمَ بِكَلِمَةٍ اخْتَارَ الْمَشَايِخُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ أَيْضًا بِجَمِيعِ ذَلِكَ خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَاخْتِيرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute