قَالَ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ صَاحِبَ هَذَا الطَّيْلَسَانِ فَبَاعَهُ ثُمَّ كَلَّمَهُ حَنِثَ) لِأَنَّ هَذِهِ الْإِضَافَةَ لَا تَحْتَمِلُ إلَّا التَّعْرِيفَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُعَادَى لِمَعْنًى فِي الطَّيْلَسَانِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَشَارَ إلَيْهِ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الشَّابَّ فَكَلَّمَهُ وَقَدْ صَارَ شَيْخًا حَنِثَ) لِأَنَّ الْحُكْمَ تَعَلَّقَ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ إذْ الصِّفَةُ فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ، وَهَذِهِ الصِّفَةُ لَيْسَتْ بِدَاعِيَةٍ إلَى الْيَمِينِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ.
إلَيْهِ بِقَوْلِهِ هَذَا عُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ قَصْدُهُ بِالْهِجْرَانِ، وَقَالَ وَكَذَلِكَ الدَّارُ وَلَكِنَّ الْعَبْدَ أَظْهَرُ لِظُهُورِ صِحَّةِ قَصْدِهِ بِالْهِجْرَانِ كَمَا فِي الْمَرْأَةِ وَالصَّدِيقِ انْتَهَى.
وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ كُلَّ فَائِدَةٍ؛ فَفَائِدَةُ الْإِشَارَةِ التَّعْرِيفُ، وَفَائِدَةُ الْإِضَافَةِ بَيَانُ مَنَاطِ الْهَجْرِ. قَدْ يُدْفَعُ بِأَنَّ الْإِضَافَةَ تَسْتَقِلُّ بِالْفَائِدَتَيْنِ، فَإِنَّهَا أَيْضًا تُعَرِّفُ الشَّخْصَ الْمَحْلُوفَ عَلَى هَجْرِهِ كَمَا تُفِيدُ الْآخَرَ. وَجَوَابُهُ أَنَّ الْإِشَارَةَ كَمَا تُفِيدُ التَّعْرِيفَ يَحْصُلُ بِهَا التَّخْصِيصُ أَيْضًا، وَهَذَا لَا يَحْصُلُ بِالْإِضَافَةِ وَحْدَهَا، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ عَبْدُ فُلَانٍ انْعَقَدَتْ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ لَهُ، وَفِي قَوْلِهِ عَبْدُ فُلَانٍ هَذَا لَا يَحْنَثُ بِكَلَامِ عَبْدٍ آخَرَ لِفُلَانٍ وَإِنْ كَانَتْ الْإِضَافَةُ تُفِيدُ أَنَّ سَبَبَ هَجْرِ الْعَبْدِ نِسْبَتُهُ لِسَيِّدِهِ، وَلَكِنَّ الْحِنْثَ فِي الْأَيْمَانِ لَا يَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ بَلْ بِفِعْلِ عَيْنِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَلَوْ حَلَفَ لَتُعْطِيَنَّ هَذَا الْفَقِيرَ لِفَقْرِهِ لَمْ يَحْنَثْ إذَا لَمْ يُعْطِ غَيْرَهُ مِنْ الْفُقَرَاءِ، وَهَذَا الْخِلَافُ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، أَمَّا لَوْ نَوَى أَنْ لَا يَدْخُلَهَا مَا دَامَتْ لِفُلَانٍ أَوْ لَا يَدْخُلَهَا وَإِنْ زَالَتْ الْإِضَافَةُ فَعَلَى مَا نَوَى لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ فِي الثَّانِي وَنَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ فِي الْأَوَّلِ، وَرُوِيَ شُذُوذًا عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي دَارِ فُلَانٍ هَذِهِ أَنَّهُ يَحْنَثُ بَعْدَ زَوَالِ الْإِضَافَةِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَعَنْهُ أَيْضًا لَا يَحْنَثُ بِالدَّارِ الْمُتَجَدِّدِ مِلْكِهَا لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يُسْتَحْدَثُ فِيهَا عَادَةً فَإِنَّهَا آخِرُ مَا يُبَاعُ وَأَوَّلُ مَا يُشْتَرَى عَادَةً فَتَقَيَّدَتْ الْيَمِينُ بِالْقَائِمَةِ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْحَلِفِ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْعُرْفَ مُشْتَرَكٌ، فَإِنَّ الدَّارَ قَدْ تُبَاعُ وَتُشْتَرَى مِرَارًا فَلَا يَصْلُحُ مُقَيَّدًا. وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّ الْيَمِينَ تَتَقَيَّدُ فِي الْكُلِّ بِالْقَائِمِ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْحَلِفِ، رَوَاهُ بِشْرٌ عَنْهُ قَالَ: إذَا قَالَ دَارَ فُلَانٍ لَا يَتَنَاوَلُ مَا يُسْتَحْدَثُ مِلْكُهُ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ دَارًا لِفُلَانٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ دَارَ فُلَانٍ تَمَامُ الْكَلَامِ بِذِكْرِ الْإِضَافَةِ وَإِلَّا كَانَ مُجْمَلًا فَلَا بُدَّ مِنْ قِيَامِ الْمِلْكِ لِفُلَانٍ وَقْتَ يَمِينِهِ. وَفِي قَوْلِهِ دَارًا لِفُلَانٍ الْكَلَامُ تَامٌّ بِلَا ذِكْرِ فُلَانٍ فَكَانَ ذِكْرُ فُلَانٍ تَقْيِيدًا لِلْيَمِينِ بِمَا يَكُونُ مُضَافًا إلَى فُلَانٍ وَقْتَ السُّكْنَى، ثُمَّ فِي الْحَلِفِ لَا يَسْكُنُ دَارًا لِفُلَانٍ لَا يَحْنَثُ بِسُكْنَى دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ فُلَانٍ وَغَيْرِهِ وَإِنْ قَلَّ نَصِيبُ غَيْرِهِ.
وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ: لَا أَتَزَوَّجُ بِنْتَ فُلَانٍ لَا يَحْنَثُ بِالْبِنْتِ الَّتِي تُولَدُ بَعْدَ الْيَمِينِ بِالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ مُشْكَلٌ فَإِنَّهَا إضَافَةُ نِسْبَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ تَنْعَقِدَ عَلَى الْمَوْجُودَةِ حَالَ التَّزَوُّجِ، فَلَا جَرَمَ أَنَّ فِي التَّفَارِيقِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ تَزَوَّجْت بِنْتَ فُلَانٍ أَوْ أَمَتَهُ أَنَّهُ عَلَى الْمَوْجُودِ وَالْحَادِثِ
(قَوْلُهُ وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ صَاحِبَ هَذَا الطَّيْلَسَانِ فَبَاعَهُ صَاحِبُهُ ثُمَّ كَلَّمَهُ حَنِثَ) بِالْإِجْمَاعِ (لِأَنَّ هَذِهِ الْإِضَافَةَ لَا تَحْتَمِلُ إلَى التَّعْرِيفِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُعَادَى لِمَعْنًى فِي الطَّيْلَسَانِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَشَارَ إلَيْهِ) أَيْ إلَى صَاحِبِ الطَّيْلَسَانِ بِأَنْ قَالَ لَا أُكَلِّمُ هَذَا الرَّجُلَ فَتَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِعَيْنِهِ وَالطَّيْلَسَانُ مُعَرَّبُ تَيْلَسَانَ أَبْدَلُوا التَّاءَ طَاءً مِنْ لِبَاسِ الْعَجَمِ مُدَوَّرٌ أَسْوَدُ لُحْمَتُهُ وَسُدَاهُ صُوفٌ (قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الشَّابَّ فَكَلَّمَهُ بَعْدَ مَا صَارَ شَيْخًا حَنِثَ لِأَنَّ الْحُكْمَ مُعَلَّقٌ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ إذْ الصِّفَةُ فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ) وَلَا تَتَقَيَّدُ بِشَبِيبَتِهِ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَقَدَّمَ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الرُّطَبَ فَأَكَلَهُ بَعْدَمَا صَارَ تَمْرًا لَا يَحْنَثُ مَعَ أَنَّ الصِّفَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute