للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَلَوْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْت فُلَانًا فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ يَنْوِي بِهِ كَفَّارَةَ يَمِينِهِ لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّ الشَّرْطَ قِرَانُ النِّيَّةِ بِعِلَّةِ الْعِتْقِ وَهِيَ الْيَمِينُ، فَأَمَّا الشِّرَاءُ فَشَرْطُهُ (وَإِنْ اشْتَرَى أَبَاهُ يَنْوِي عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِهِ أَجْزَأَهُ عِنْدَنَا) خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ. لَهُمَا أَنَّ الشِّرَاءَ شَرْطُ الْعِتْقِ، فَأَمَّا الْعِلَّةُ فَهِيَ الْقَرَابَةُ وَهَذَا لِأَنَّ الشِّرَاءَ إثْبَاتُ الْمِلْكِ وَالْإِعْتَاقُ إزَالَتُهُ وَبَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ. وَلَنَا أَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ لِقَوْلِهِ «لَنْ يَجْزِيَ وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ» جَعَلَ نَفْسَ الشِّرَاءِ إعْتَاقًا لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ غَيْرُهُ وَصَارَ نَظِيرُ قَوْلِهِ سَقَاهُ فَأَرْوَاهُ

أَخْبَرَنِي بِقُدُومِ فُلَانٍ اشْتَرَطَ فِيهِ الصِّدْقَ لِإِفَادَتِهَا إلْصَاقَ الْخَبَرِ بِنَفْسِ الْقُدُومِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهَا إنَّمَا يُتَصَوَّرُ لُصُوقُهَا الْإِخْبَارَ بِنَفْسِهِ: يَعْنِي بِنَفْسِ الْقُدُومِ لَفْظًا وَهُوَ الْوَاقِعُ فِي الْكَذِبِ، فَاشْتِرَاطُ الصِّدْقِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَحَقُّقَ الْإِلْصَاقِ إنَّمَا يَكُونُ بِإِلْصَاقِ الْإِخْبَارِ بِنَفْسِ الْوَاقِعِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ إنْ أَخْبَرَنِي أَنَّ فُلَانًا قَدِمَ عَتَقَ كُلُّ مَنْ أَخْبَرَهُ صِدْقًا أَوْ كَذِبًا.

وَقَدْ أَوْرَدَ عَلَى اشْتِرَاطِ الصِّدْقِ فِي الْبِشَارَةِ أَنَّ تَغَيُّرَ الْبَشَرَةِ كَمَا يَحْصُلُ بِالْأَخْبَارِ السَّارَّةِ صِدْقًا كَذَلِكَ يَحْصُلُ كَذِبًا. وَأُجِيبَ بِمَا لَيْسَ بِمُفِيدٍ، وَالْوَجْهُ فِيهِ نَقْلُ اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ

(قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْت فُلَانًا فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ يَنْوِي بِهِ كَفَّارَةَ يَمِينِهِ لَمْ يُجْزِهِ) لِأَنَّ وُقُوعَهُ كَفَّارَةٌ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الْكَفَّارَةِ، وَهَذِهِ النِّيَّةُ يُشْتَرَطُ قِرَانُهَا بِعِلَّةِ الْعِتْقِ وَهِيَ الْيَمِينُ، وَهَذَا تَسَاهُلٌ، فَإِنَّ عِلَّةَ الْعِتْقِ هُوَ قَوْلُهُ هُوَ حُرٌّ وَهُوَ جُزْءُ الْيَمِينِ، فَإِنَّ الْيَمِينَ هُوَ مَجْمُوعُ التَّرْكِيبِ التَّعْلِيقِيِّ، وَإِذَا كَانَ الشَّرْطُ ذَلِكَ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ عِنْدَ التَّكَلُّمِ بِهِ بَلْ عِنْدَ مُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ لَمْ يَحْصُلْ شَرْطُ الْكَفَّارَةِ فَلَمْ يَجُزْ عَنْهَا، وَهَذَا لِأَنَّ الْعِتْقَ وَإِنْ كَانَ يَنْزِلُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَكِنَّهُ إنَّمَا يَنْزِلُ بِقَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ السَّابِقُ فَإِنَّهُ الْعِلَّةُ، أَمَّا الشِّرَاءُ فَشَرْطُ عَمَلِهَا فَلَا يُعْتَبَرُ وُجُودُ النِّيَّةِ عِنْدَهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ عَبْدِي حُرٌّ بِلَا نِيَّةٍ ثُمَّ نَوَى عَنْ كَفَّارَةٍ لَا يَجْزِيه لِأَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ مُتَقَدِّمٌ لَا مُتَأَخِّرٌ، وَإِنَّمَا صَحَّتْ فِي الصَّوْمِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ حَتَّى لَوْ كَانَ نَوَى عِنْدَهُ إذَا اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِي فَاشْتَرَاهُ عَتَقَ عَنْهَا، وَكَذَا لَوْ قَالَ هُوَ حُرٌّ يَوْمَ أَشْتَرِيه يُرِيدُ عَنْ كَفَّارَتِي.

وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْجَزَاءَ الْمُعَلَّقَ إنَّمَا يَنْعَقِدُ عِلَّةً عِنْدَ الشَّرْطِ، وَالشِّرَاءُ هُوَ الشَّرْطُ، وَقَدْ قُرِنَتْ النِّيَّةُ بِالْعِلَّةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ عَنْهَا لِقِرَانِ النِّيَّةِ بِالْعِلَّةِ.

فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ قَبْلَ الشَّرْطِ بِعَرْضِيَّةِ أَنْ يَصِيرَ عِلَّةً اعْتَبَرَ الشَّرْعُ لَهُ حُكْمَ الْعِلِّيَّةِ حَتَّى اُعْتُبِرَتْ الْأَهْلِيَّةُ عِنْدَهُ اتِّفَاقًا، فَلَوْ كَانَ مَجْنُونًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ، وَلَوْ كَانَ مَجْنُونًا عِنْدَ التَّعْلِيقِ لَمْ يُعْتَبَرْ أَصْلًا فَلِذَا يَجِبُ أَنْ تُعْتَبَرَ النِّيَّةُ عِنْدَهُ (قَوْلُهُ وَإِنْ اشْتَرَى أَبَاهُ يَنْوِيه عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِهِ أَجْزَأَهُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ) وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوَّلًا لِأَنَّ الْعِلَّةَ لِلْعِتْقِ هِيَ الْقَرَابَةُ الْمُحَرَّمَةُ لَا شِرَاءُ الْقَرِيبِ لِأَنَّهَا الَّتِي ظَهَرَ أَثَرُهَا فِي وُجُوبِ الصِّلَةِ كَالنَّفَقَةِ فَهِيَ الْمُؤَثِّرَةُ فِي الْعِتْقِ، وَإِنَّمَا الْمِلْكُ شَرْطُ عَمَلِهَا سَوَاءٌ حَصَلَ بِطَرِيقِ الشِّرَاءِ أَوْ غَيْرِهِ كَالْهِبَةِ وَالْإِرْثِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الشِّرَاءُ نَفْسُ الْعِلَّةِ فَلَا لِأَنَّهُ لِإِثْبَاتِ الْمِلْكِ وَالْعِتْقُ لِإِزَالَتِهِ وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ فَلَا يَكُونُ الْعِتْقُ مُقْتَضَاهُ.

وَلَنَا أَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ، لِمَا رَوَى السِّتَّةُ إلَّا الْبُخَارِيُّ كُلُّهُمْ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>